IMLebanon

أضعف الإيمان (دول بعدد المذاهب والطوائف)

كنت أحزم حقائب السفر للعودة بعد نهاية إجازة قضيتها مع أسرتي في إحدى المدن الأميركية، عام 1991. وضعت عنواني على قطع «العفش». وكتبت «الرياض» بخط كبير. أمعن الشاب الأميركي الذي كان يساعدني في نقل الحقائب، النظر في الاسم، وقال، لا تخبرني أين تقع هذه المدينة، أعتقد أنني أعرفها جيداً. في الطريق إلى المطار التفت الشاب نحوي، وكأنه وجد مصباح علاء الدين، وقال بصوت مبتهج: الرياض عاصمة السعودية. لقد عرفت ذلك من محطة «سي إن إن»، صيف العام الماضي خلال الحرب في الكويت، وأضاف: تخيل أن معلوماتي في جغرافيا الشرق الأوسط تحسنت في تلك الحرب.

هذا الشاب وملايين غيره، عرفوا مدننا وبلداتنا من خلال الحروب التي شهدتها وتشهدها منطقتنا منذ سنوات. هذه «الفائدة» من حروبنا، شملتنا نحن أبناء المنطقة، وخلال العقدين الماضيين أصبح المواطن في المغرب العربي يعرف أين تقع الرصافة، والرملية، وتلعفر، وسنجار، وسوق الشيوخ، وبقية المدن والبلدات العراقية. وحالياً بات المواطن في السعودية ولبنان وقطر، يعرف زلتين، ودرنه، وسرت، ومسلاته، وغيرها من المدن الليبية. وتوالت دروس الجغرافيا الإجبارية، وصرنا جمعياً قادرين على سرد أسماء المدن السورية ومعالمها، ونعرف المسافة بين معرة النعمان، والقامشلي، ونستطيع أن نحدد اسم المحافظة التي تقع فيها مدينة المكلا، وما هي عاصمة محافظة أبين.

دروس الجغرافيا تتوالى علينا منذ عام 1990. بدأت من الكويت، ووصلت إلى اليمن، مروراً بالعراق وسورية وليبيا. هذه الدروس لم تكن جغرافية محضة. لم نتعلم مواقع المدن والبلدات العربية في خريطة الدول فحسب، بل أصبحنا نعرف لها سمات لم نسمع بها من قبل. صار للمدن في هذه الدروس القاسية سمات طائفية ومذهبية وعرقية. العراقيون أصبحوا شيعاً وأقواماً، والسوريون، صاروا شعوباً ومذاهب، والليبيون انقسموا بين الشمال والجنوب، وعاودت الحرب في اليمن تكريس الفرق بين الشمالي والجنوبي، والزيدي والشافعي. نجحت حروبنا في تأسيس فرع آخر في الجغرافيا السياسية، اسمه جغرافيا الطوائف والمذاهب.

لا شك في أن الحروب التي تشهدها منطقتنا عاودت رسم ملامح شعوبنا ودولنا، وأصبحت الخطوط الوهمية، التي تسمّى الحدود السياسية، أسواراً مشيدة بالعنصرية والمذهبية والأحقاد.

الأكيد أننا نعيش اليوم الفصل الأول من درس الجغرافيا الإجباري. ونحن مقبلون على رسم حدود أخرى جديدة لدولنا، ولكن ليس على طريقة «سايكس – بيكو». خريطتنا الجديدة نحن سنرسمها عبر صراعات لن تنتهي حتى تصبح دولنا بعدد طوائفنا ومذاهبنا. هل نترحم على «سايكس – بيكو»؟