IMLebanon

تغطية الانتكاسات بـ «المسكّنات»… الكلامية

عندما يُقارن «حزب الله» حجم الدماء التي دفعها في مواجهة العدو الإسرائيلي في الجنوب، بتلك التي دفعها ويدفعها اليوم في سوريا، فهذا يعني أنه شرّع من تلقاء نفسه، اعتداءه على الشعب السوري ومعاملته كعدو يُمكن التعامل معه بكافة الأساليب التي يمتهنها الحزب. المشكلة في هذا الطرح لا تكمن فقط في أنها تُساوي بين الضحية والجلّاد، بل هي محاولة أراد الحزب من خلالها تبرير انغماسه في الحرب السوريّة أوّلاً، وثانياً بهدف إعطاء صبغة شرعيّة لحربه هذه أمام جمهوره خصوصاً في ظل تزايد سقوط قياديين وعناصر في صفوفه وآخرهم القائد الميداني بديع جميل حمية. ومن هاتين الزاويتين اعتمد «حزب الله» في حربه ضد الشعب السوري، الخطابات والشعارات نفسها التي كان يُطلقها أو يستخدمها بهدف التجييش خلال حروبه مع الإسرائيلي.

هذه الصبغة التي يحاول «حزب الله» اعتمادها في حربه الدائرة في سوريا، ومحاولات فرض التعمية على جمهوره وبيئته لجهة الخسائر التي ما زالت تُلاحقه على الرغم من «الانتصارات» و»الإنجازات» التي يُعلن عنها بين الحين والآخر، لم تشفع له يوم أمس، بعد خسارته القائد الميداني حمية من بلدة كفر حتّى قضاء جزين، الذي لقي مصرعه في سوريا. ولم تذكر المعلومات ما إذا كان حمية قضى في الغارات الإسرائيلية التي نفذت فجر أوّل من أمس في منطقة القلمون السوريّة أو في اشتباكات في مكان آخر في سوريا.

وفي السياق، أشارت معلومات أمنية إلى أن «أكثر من خمسة مقاتلين من «حزب الله»، سقطوا بين قتيل وجريح خلال غارات نفّذها الطيران الإسرائيلي فجر أوّل من أمس على قافلة صواريخ للحزب في منطقة القلمون». وعلى الرغم من غياب التصاريح من قبل قيادة الحزب، سواء لجهة النفي أو التأكيد، تساءل أمس جمهور الحزب عن حقيقة الخبر، وتناقلت بعض المواقع غضب العديد من المؤيدين للحزب واعتراضهم على هذا الكمّ من الخسائر في الأرواح، وهم يسألون عن نهاية هذا المأزق.

أحد خطباء المنابر في «حزب الله» ورئيس مجلسه التنفيذي السيد هاشم صفي الدين، رأى أمس الأول خلال واجب عزاء، «أننا بذلنا الدماء والشهداء من أجل أن نحمي البلد في مواجهة العدو التكفيري الذي قاتلناه في السلسلة الشرقية وفي سوريا وعلى الحدود وفي حلب وفي كل مكان من أن أجل أن ندفع خطره عن بلدنا»، معتبراً أن «العالم كله بات يعرف اليوم أنه لولا هذه الدماء والتضحيات لكان لبنان أصبح في خبر كان، ولكان انتهى هذا البلد، وأصبحت داعش هي التي تحكم لبنان». المشكلة هي أن الحزب يُصرّ على أن الأمن والأمان الذي يعيشهما المواطن اللبناني، هما نتيجة ما يقوم به في سوريا. لكن الحقيقة المُعلنة هي أن لبنان لم يتعرّض لكل هذه الخضّات الأمنية منذ أعوام وحتى الأمس القريب، إلّا بعد تدخل الحزب في سوريا وخصوصاً تحت شعارات مذهبية لم تبدأ بـ «لن تُسبى زينب مرتين»، وبالتأكيد لن تنتهي بشعار «يا لثارات الحسين».

المشكلة في «حزب الله» هي أنه يُمارس ما يتهم به الآخرين في بياناته وأفعاله. فهو يُقاتل في أرض حمته وحمت مقاومته وجمهوره يوم قرّر الإنقلاب على الشرعية يوم استفرد بقراري الحرب والسلم، وهو على هذه الأرض التي يُشعلها خراباً وتدميراً، يقتل شعباً فتح له ذات «تموز» البيوت ودور العبادة لعائلات قادته وعناصره. لكن اليوم وبعد الإنتكاسات والهزائم التي تُلاحقه، لم يعد يجد الحزب تبريرات مُقنعة تُمكّنه من الركون اليها أمام إحتجاجات جمهوره التي تُلاحقه، وهو الذي لم يزف لهذا الجمهور منذ إحتلاله مدينة «القصير»، أي «نصر» يُمكن أن يعوّضه عن المُساءلة أو أقلّه أن يحميه من نظرات الإتهام التي تُلاحق مسؤوليه أثناء تقديمهم واجب العزاء. ومن هنا لم يجد صفي الدين حرجاً في التغطية على الإنتكاسات ببعض المُسكّنات.

ما تُظهره الدراسات والتقارير التي يُقيمها أفراد ومؤسسات رسمية وغير رسميّة، يُفيد بأن الطائفة الشيعية بأكملها ومن ضمنها جمهور «حزب الله»، ما زالت تُصرّ على أن عدوّها الأبرز هو العدو الإسرائيلي، حتّى أن جزءاً غير يسير من جمهور الحزب، ما زال يعتقد ويُؤمن بأن الخطر المُحدق به، هو ليس من سوريا، بل من الحدود الجنوبية التي بدأت تتعرّض لنهب ثرواتها في البر والبحر. ويُترجم هذا الواقع بشكل يومي من خلال التهديدات المتبادلة التي تعبر أجواءهم ذهاباً وإياباً، تهديدات تُثير الرعب في قلوبهم وتدعوهم لأن يبقوا متيقظين خشية أن يُصبحوا على تشريد وتنكيل وقتل، وخوفاً من ان يتحوّلوا إلى لاجئين مرّة جديدة في وطنهم.. وخارجه.

والخلاصة، فإن تبديل الأدوار ولعب دور الضحيّة وقلب الحقائق، هو فن يبرع فيه «حزب الله» ويذهب به إلى حد الهذيان خصوصاً عندما يلتمس الأعذار لحليفه بشّار الأسد في قتله للأطفال تماماً كما يلتمسها لنفسه في احتلاله للعديد من المناطق والقرى السوريّة تحت حجّة حماية الحدود من الإرهابيين. وفي هذا السياق، كشف «المرصد السوري» عن عمليات إفراغ للسكان تجري في منطقة القلمون الغربية يشارك فيها «حزب الله» والنظام السوري وإيران وروسيا تحت مُسمّى المصالحات. وبعد هذا كلّه، يخرج قادة الحزب بكلام أقل ما يُقال فيه أنه تهويلي علّهم يتمكّنون من خلاله التغطية على خسائرهم، أو أقله السكوت عنها.