IMLebanon

حضرة المصلوب لبنان [6000]

 

سرقوك ونهبوك وأفلسوك وصلبوك عشرات آلاف المرات، كلّ الكلام لم يعد يُجدي نفعاً، يشكّ اللبنانيّون الذين آمنوا دائماً بقيامة لبنان أن تكون له قيامة هذه المرّة، أو أن تقوم له قائمة من انهياره الأخير، في الجمعة العظيمة من العام 2009 كتبت تحت عنوان «حضرة المصلوب» لبنان، وفي الجمعة العظيمة من العام 2013 كتبت في هذا الهامش «حضرة الصليب» لبنان… على عتبة الجمعة العظيمة من العام 2015 كتبت حضرة «الصليب» «والمصلوب»، اليوم أكتب في الجمعة العظيمة من العام 2017 عن صليب لبنان العظيم، وفي العام 2018 كتبت عن الأجواء الإنتخابيّة المحمومة التي أكّدت أنّ لبنان سيبقى معلّقاً على صليبه العظيم وصليب المنطقة، في يوم الجمعة العظيمة من العام 2019 ما الذي يقال للشعب اللبناني الذي يعيش مخاوف أعظم بكثير من تلك التي عاشها عشية كلّ الحروب التي عصفت به وبلبنان!

 

في مشهد الصلب الأخير للبنان يستعيد هذا الهامش من كلّ الهوامش التي عبرت جلجلة لبنان، لم يتغيّر علينا شيء سوى الإعلان رسمياً عن انهيارنا الأخير، أتعبتنا أدوار الماعز والأغنام والحمير والبقر والإبل والحيتان والتماسيح والعصافير (…) ما زلنا لا ندري أيها نحن، وإن كنّا الأقرب إلى «الحمير» في صبرها على حمل أثقالها، وأقرب إلى الغنم في الانقياد لسياسيين نعيد انتخابهم هم أنفسهم رغم معرفتنا العميقة وخبرتنا الكبيرة بكذبهم وتبعيتهم لآخرين سواك (…) قد نكون الأقرب إلى الماعز؛ يا حضرة «الصليب» لبنان هل تشاهدنا حين «نتطيشر» كالماعز نخرّب وطننا فنأكل شجرنا أخضره قبل يابسه؟! أم نحن أقرب إلى البقر؟ (…) هل نحن أقرب إلى «الإبل» يركبنا العرب في فصل السياحة، ولا يجدون فينا ما يصلح أمرنا فلا يدعموننا إلا بالركوب السياحي، يتباهون بالاصطياف في ربوعنا ويدركون أننا كما «الإبل» ننخّ ونربض في رضى ليركبوا ظهورنا وسياحتنا ونسائنا ورجالنا أيضاً؟!

 

يا حضرة «الصليب» لبنان؛ هل نحن أقرب إلى «التماسيح»، جلداً وقلوباً ودموعاً، نفعل بك الأفاعيل ثم نذرف عليك دمع التحسّر والقلق والخوف، ونحن لا نتورع عن سلخ جلدك والتباهي به حقيبة وحذاء وحزاماً؟! أم هل نحن «العصافير» التي تملأ فضاءك بزقزقة الثرثرة، نفرّ من غضن إلى غصن إلى أن يردينا صيادوك بـ»خردقة»؟!

يا حضرة «الصليب» لبنان، إلى متى سنُجرّ مصلوبين مجلودين على «جلجلات» ساحات أجندات المنطقة كلّها وهي تمتدّ صليباً هائلاً وشعوبها معلّقة تتأرجحُ تحت سياط من الملح الدموي شعب مشردٌ هنا ومقتول هناك وقلق هنالك وشعب مهدد هنا ومرهون هناك وخائف هنالك، والنيران عند قدمي الصليب تحرقُ آمالنا وتسلخ ما تبقّى من جَلَدِنا وجلودنا، ستّة أعوام لم يتغيّر فيها شيء، ستة آلاف عام لم يتغير فيها شيء أيضاً، ومبعثرة تساؤلاتنا أمام واقعنا والخلاص الذي نرتجيه، وفي لحظات الخيبة الكبرى واليأس لا نعود نرتجيه… يا حضرة «الصليب» لبنان؛ تعبنا فهلا أنزلتنا قليلاً، هلا توقف هذا المشهد السخيف المخيف علّنا نستريح قليلاً».

 

في هذه الجمعة العظيمة لم يتبقَ للبنان سوى حسرات الشاعر الراحل جوزف حرب من تكرار فعل الصلب بلبنان من أغنية فيروز «يا قونة شعبيّة»: من خشب الدهر عملوا لك صليبك.. يا وطني.. وعجبل الشهدا رفعوا لك صليبك.. يا وطني.. صلبك الطويل.. أنا.. حزنك الطويل أنا.. اعطيني صليبك يا وطني».