IMLebanon

«داعش» لا يزال أداة للنظام السوري

 

لقد فاجأ هجوم «داعش» على السويداء في جنوب سوريا، كثيرين، حيث جاء في وقت هُزم فيه التنظيم الإرهابي إلى حد كبير في العراق وسوريا. لا تزال لدى «داعش» جيوب نفوذ في الجنوب السوري، لكن روسيا والنظام السوري عرضا حملتهما العسكرية المستمرة في المنطقة، والتي انطلقت أولاً إلى الغوطة الشرقية ثم اليرموك وتركز الآن على درعا، على أنها استهداف لـ«داعش» وإرهابيين آخرين. في الواقع، تهدف الحملة إلى استعادة المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. إن الخطاب الذي يستخدمه النظام وروسيا لتبرير حملتهما أمر مألوف لم يتغير منذ بداية النزاع، حيث كان النظام قد أعلن دوماً أن كل المعارضة إرهابية.

التركيز الرئيسي في التغطية الإعلامية وبين صانعي السياسات في الغرب في أعقاب الهجمات في السويداء، هو على «داعش». هناك مخاوف من أن «داعش» لم يهزم بالكامل، وأنه لا يزال قادراً على القيام بهجمات إرهابية، حتى في الغرب. فقط القليل منهم ركزوا على دور النظام في المجزرة في السويداء. لكن التكتيكات التي يستخدمها النظام في الحملة في جنوب سوريا توضح أن مجزرة «داعش» التي قتلت أكثر من مائتي مدني في السويداء، تتعلق بالنظام أكثر من «داعش».

إقليم السويداء هو بالطبع موطن لطائفة الأقلية الدرزية في سوريا. انقسمت هذه الأقلية في مقاربتها للثورة السورية في أوائل تلك الأيام، حيث انحاز بعض «شيوخ العقال» إلى النظام على أساس الحفاظ على الحماية للمجتمع الدرزي، بينما اتخذ آخرون، من ضمنهم «شيوخ الكرامة»، موقفاً أكثر حذراً، داعين المجتمع لأن ينأى بنفسه عن الصراع السوري.

حاكى المزاج السائد في السويداء نداءات «شيوخ الكرامة»، خصوصاً بعد اغتيال النظام شخصاً من شخصياتهم الرئيسية؛ الشيخ وحيد البلعوس، في عام 2015. وحفز الاغتيال بقية «شيوخ الكرامة» على دعوة المجتمع الدرزي لحمل السلاح من أجل الحماية الذاتية، ولكن ليس للمشاركة في الحرب. لقد اتخذ المجتمع الدرزي موقفاً مستقلاً إلى حد كبير في الصراع السوري، حيث أدار بنفسه شؤونه الأمنية والاقتصادية وأمور توفير الخدمات، مثل توصيل النفط والمواد الغذائية، ولم ينخرط في أي جماعة معارضة. كما رفض الرجال من المجتمع الالتزام بالتجنيد في الجيش السوري لأنهم أرادوا البقاء في السويداء للدفاع عن منطقتهم.

كان لدى النظام أولويات غير السويداء في معركته مع المعارضة، وهذا ترك المنطقة هادئة نسبياً مقارنة بالمناطق الأخرى في سوريا، إضافة إلى أن منطقة خفض التصعيد الفعلية التي كانت قائمة في جنوب سوريا ساهمت في الشعور بالاستقرار الحذر في المنطقة. لكن النظام لم يتجاهل السويداء.

عندما بدأت الميليشيات الموالية للنظام بالقتال إلى جانب النظام في الجنوب، قامت بوضع نقاط تفتيش عند مدخل السويداء. هذه الحواجز شاركت في ابتزاز سكان السويداء وترويع الذين يحاولون الدخول أو المغادرة، بينما أقام النظام نقاط تفتيش خاصة به على مشارف المنطقة، بعيداً عن نقاط التفتيش التابعة للميليشيات. وبهذا سمح النظام للميليشيات بالانخراط في ترويع سكان السويداء من أجل معاقبتهم بسبب عدم امتثالهم للنظام.

عندما بدأ النظام حملته في الغوطة الشرقية واليرموك، أكد أهالي السويداء رفضهم المشاركة فيها، بما في ذلك رفض المشاركة في أعمال السلب والنهب واسعة النطاق التي مارسها الجيش السوري والميليشيات الموالية للنظام بعد الاستيلاء على المنطقتين. وأدى ذلك إلى غضب النظام، الذي وضع أعينه على استعادة أكبر عدد ممكن من المناطق في الجنوب ذي الموقع الاستراتيجي لاقترابه من دمشق.

في جزء من حملتهما في حوض اليرموك، قام النظام، بمساعدة روسيا، بإجلاء أعضاء من «داعش» إلى الصحراء الشرقية على حدود العراق وسوريا. من هذه الصحراء تقدم مقاتلو «داعش» إلى السويداء لتنفيذ المجزرة. وعلى الرغم من أن «داعش» قد هاجم بعض حواجز النظام في طريقه إلى السويداء، فإن القوات الموالية للنظام تجاهلت «داعش» إلى حد كبير بينما كان يمضي في هجومه. ولذلك خلص كثير من سكان السويداء إلى أن هجوم «داعش» على السويداء كان شكلاً آخر من أشكال العقاب من قبل النظام.

هذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها النظام «داعش» بطريقة غير مباشرة وسيلةً لمعاقبة خصومه. في عام 2015، غض النظام الطرف عندما تقدم تنظيم «داعش» من الشرق إلى الجنوب وبدأ بمهاجمة الجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر. وهي أيضاً ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها النظام «داعش» لمعاقبة السويداء… في عام 2014، عندما كان تنظيما «داعش» و«جبهة النصرة» يتقدمان نحو السويداء، قام جهاز استخبارات النظام بتمرير معلومات حول السويداء إلى «داعش»، مما ساعد الأخير على احتلال بادية السويداء. كما حاول النظام الاستيلاء على أسلحة «شيوخ الكرامة» الثقيلة خلال فترة تقدم «داعش»؛ الأمر الذي تصدى له الشيخ البلعوس، مما مهد الطريق لاغتياله في عام 2015.

قد يكون «داعش» فقد الأراضي التي كان يسيطر عليها، لكنه أبعد ما يكون عن طمسه… إنه يتحول إلى استخدام الهجمات الانتهازية كتلك التي وقعت في السويداء لإظهار أنه لا يزال قادراً. وقد شوهد هذا بالفعل في حرب العصابات التي يشترك فيها «داعش» في دير الزور وحمص في الأشهر القليلة الماضية، حيث تخلى عن محاولة استعادة الأراضي، وبدلاً من ذلك يهاجم نقاط التفتيش الخاصة بالنظام والمعارضة كلما استطاع. على الرغم من مثل هذه الهجمات على أهداف النظام، فإنه من مصلحة النظام أن تحدث هجمات «داعش» لأن هذا يعطي تقدمه للمناطق التي يريد السيطرة عليها غطاء مكافحة الإرهاب.

يوضح الوضع في السويداء إلى أي مدى يرغب النظام في السعي لتحقيق أهدافه على حساب أرواح المدنيين السوريين. كما يؤكد على فائدة «داعش» بوصفه أداة للنظام، حتى لو كان ذلك يعني التضحية ببعض أفراد النظام بين الحين والآخر.