رحلة «أبو هاشم» من السّعوديّة إلى العراق والقصير .. فالسجن دفتردار: أنا جهاديّ من الضاحية.. ولا أخاف الجيش أو «حزب الله»
بجرأةٍ هي أشبه بوقاحة لا يظهرها إلّا قلّة من الموقوفين الذين يمثلون أمام المحكمة العسكريّة، وقف السوريّ عادل خلاوي.
لم يدم التحقيق مع الشاب، الذي دخل إلى القاعة مرتدياً زياً أفغانياً شرعياً وأرخى لحيته وترك شعره الأسود منسدلاً على كتفيه، لأكثر من خمس دقائق بتهمة محاولة الانتماء إلى تنظيم «داعش» للقيام بأعمال إرهابيّة ومحاولة الدّخول إلى سوريا بغية الانضمام إلى معسكرات التّنظيم.
ومع ذلك، كانت هذه الدقائق كفيلةً بإدهاش جميع الحاضرين. في بادئ الأمر، بدا الشّاب يحاول نفي تهمة الإرهاب عن نفسه، مع تأكيده أنّه يعمل في معرض للسيّارات في منطقة صيدا، ولم ينتقل إلى لبنان إلّا بحثاً عن العمل وليس بسبب تنفيذ أي عمليّة.
ولكنّ سؤاله عن التنظيمات الإسلاميّة الموجودة في الدّاخل السوريّ قلب الأحداث رأساً على عقب، إذ رفع خلاوي رأسه ونظر إلى رئيس المحكمة العسكريّة العميد الرّكن الطيّار خليل ابراهيم، ليؤكّد له أنّه كان ذاهباً إلى «الدّولة الإسلاميّة (عندما تمّ توقيفه)، لأنني أريد محاربة النّظام السوري».
قد يكون ابراهيم ظنّ أنّ الموقوف، كبعض زملائه الذين يمثلون أمامه معلنين ندمهم لأنّهم حاولوا الانتماء إلى «داعش»، فذكّره بما يرتكبه التنظيم الإرهابي من ذبح وقتل للأبرياء والأطفال. إلا أنّ الشاب بدا مصرّاً ومقتنعاً إلى درجة الإيمان أنّ «الدولة (الإسلامية) منيحة، والدين هو الذي يحلّل الذبح».
حاول رئيس «العسكريّة» التأكيد أنّ الدين الإسلامي لا يحلّل الذبح، ولكنّ الموقوف كان سريعاً حينما استشهد بالآية القرآنية: «فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ» (سورة الأنفال)، حتى يؤكّد وجهة نظره، مشدّداً على أنّ «داعش يحارب الكفّار وكلّ من يحاربه».
وما لبث أن اختصر الشّاب الحديث من دون أن يعير اهتماماً للموجودين من ضباط وقضاة ومحامين، مردّداً بفخر: «كنتُ في الدولة (الإسلاميّة) تسعة أشهر وراجع على الدّولة (بعد خروجي من السّجن)».
ربّما استحضر ابراهيم عندما نطق الموقوف بكلّ ذلك، مشهد بلال ميقاتي الذي أعرب عن فخره بعملية الذّبح التي نفّذها بحق العسكريّ الشهيد علي السيّد أمام «العسكريّة» منذ أشهر قليلة. ولذلك، سأله «هل نفّذت عمليّة ذبح؟». سكت الموقوف لبرهة قبل أن يجيب مبتسماً: «قلتُ لك بقيتُ في الدّولة 9 أشهر». وعندما أعاد ابراهيم السؤال أجاب الموقوف نافياً.
في حين لم يكتف خلاوي بذلك، وإنّما أكّد أنّه إذا طَلَب منه أميره تنفيذ عمليّة ذبح «فإنني سأنفّذ.. على السّمع والطّاعة».
هذه الإجابة أدهشت الحاضرين داخل المحكمة، الذين صدموا بوقاحة الموقوف، ممّا دفع ابراهيم إلى الاكتفاء بهذا القدر من الاستجواب قبل أن يطلب ممثّل النيابة العامّة القاضي فادي عقيقي إنزال أشدّ العقوبات. ولذلك كان الحكم على الشاب مشدَّداً إذ وصل إلى الأشغال الشاقة لمدة 15 عاماً مع تجريده من حقوقه المدنيّة.
الصّدمة لم تكن على وجوه الموجودين فحسب، بل أيضاً انسحبت على وكيلة الدّفاع عنه التي تراجعت عن مرافعتها التي حضّرتها سلفاً، مكتفيةً بطلب الشفقة. لم تعرف المحامية ماذا تقول بعد كلّ ما نطق به موكّلها، مؤكّدةً أنّها كانت تظنّ أنّها تدافع عن شخصٍ حاول الانتماء إلى «داعش» ثم أعلن ندمه، مضيفةً بعد خروج خلاوي من القاعة: «كان حظي جيّداً، لو علم أنني درزية لكان ذبحني!».
وإذا كان الشاب قد أعلن بفخرٍ انتماءه إلى التنظيم وإمكانيّة تنفيذ أي عمليّة إرهابيّة لصالحه، فإنّ المفارقة تكمن في أنّه لم يعترف بذلك في إفادتيه الأوليّة والاستنطاقيّة، بل على العكس أكّد أنّ محاولة انتمائه لم تكن إلا كلاماً على «فايسبوك»، طالباً من قاضي التحقيق الشفقة والرّحمة.
ويعدّ هذا الأمر مستغرباً، ففي العادة يعترف الموقوفون خلال التحقيقات الأوليّة ثمّ يؤكّدونها أو يتراجعون عنها لدى التحقيق معهم عند قاضي التحقيق، وينفونها بشكلٍ كلي في المحكمة العسكريّة. وهذا ما لم يحصل في حالة خلاوي الذي لم يعترف إلا في الجلسة العلنيّة داخل «العسكريّة»!
«عبدالله عزّام» خطّطت لاغتيال أبو عرب؟
وعلى عكس خلاوي، كان الموقوف محمّد الأسدي الذي يحاكم بتهمة الاشتراك في معارك عبرا، قبل أن يحاكم في تهمٍ أخرى بعدما أوقف الأمن العام منذ أشهر قليلة محمّد بركات الذي اعترف أنه كان مقرّباً من عبد الرحمن شمندر ثمّ انتمى إلى «كتائب عبد الله عزّام» عبر توفيق طه الذي أخضعه لدورة عسكريّة وسلّمه مسؤولية مجموعة مسلحة في منطقة التعمير وطلب منه السيطرة على نقطة «بستان اليهودي» الفاصلة بين التعمير التحتاني ومخيم عين الحلوة. وكان بركات أحد الأشخاص الذين شاركوا في معارك عبرا بطلبٍ من شمندر.
ومن بين الأسماء التي أتى على ذكرها «أبو مصعب» هو الأسدي الذي سرعان ما تمّ استخراجه من سجنه ليتمّ التحقيق معه هذه المرّة بتهمة الانتماء إلى «عبد الله عزّام».
وبالفعل، تقاطعت إفادتا بركات والأسدي الذي اعترف بالكثير من الأمور التي لم يقل عنها سابقاً، على اعتبار أنّ التحقيق الأوّل معه كان محصوراً بمشاركته في معارك عبرا.
وهكذا كرّت سبحة اعترافاته التي كان أبرزها تكليفه من قبل بلال بدر وأسامة الشهابي لاغتيال مسؤول حركة «فتح» صبحي أبو عرب، على اعتبار أنّه كان مطلوباً اغتياله على يد شخص لا يقطن مخيّم عين الحلوة.
وروى الموقوف كيف زكّاه شمندر عند توفيق طه، بعد أن طلب منه أن يلبس الأسود ويتوجّه إلى مصلى داخل المخيّم حيث بايع «أبو محمّد» الذي أمره باستنهاض الشبان وتجنيدهم لصالح «الكتائب».
وأشار الأسدي إلى أنّ بركات طلب منه تأمين شقّة ومكان مناسب لإطلاق صواريخ على «اليونيفيل» وتكليفه بمراقبة تحرّكات عناصرها.
وخلال استجوابه، أمس، تراجع الأسدي عن إفادته الأوليّة، مؤكداً أن علاقته بشمندر سطحيّة وهو لا يعرف توفيق طه وبلال بدر، قبل أن يوضح أنّه قابل بدر مرةً واحدة فقط. ولفت الانتباه إلى أنّه يعرف أبو عرب كونه يسكن بالقرب من منزل أهله، لكنّ أحداً لم يطلب منه اغتياله.
وفي «العسكريّة» أيضاً، استجوب العميد ابراهيم زيد داعي الإسلام الشّهال الذي أنكر علاقته بأحمد سليم ميقاتي وبعض الأشخاص المرتبطين بـ«جبهة النّصرة» و«داعش»، مشيراً إلى أنّ «داعش والنصرة يكفرونني أنا ووالدي لأنّنا لا نكفّر الجيش»، ونافياً أن يكون قد اشترك في معارك طرابلس.
وأكّد أنّ والده موجود حالياً في السعودية ولا ينوي العودة إلى لبنان.
وكان من المفترض أن يترافع وكيل الدّفاع عن الشهال المحامي أحمد الفيّ، إلا أنّ ممثّل النيابة العامة طلب إرجاء الجلسة إلى حين الاطلاع على الدعوى الثانية التي يلاحق بها الشهال (جنحة الاتجار بالأسلحة) لكونهما مترابطتين، فأرجأ ابراهيم الجلسة إلى 22 المقبل.