IMLebanon

يوم الوفاء لشهداء «الشرف والتضحية والوفاء»

بعد أن تعبت أجسادهم من كثرة التنقل، في الحياة كما بعد الاستشهاد، وبعد أن تعطلت لغة الكلام في وصف عظمة ما قدموه، يمضي اليوم شهداء الجيش الثمانية إلى مثواهم الأخير ليرتاحوا من عناء الغربة ورحلة سفر طويلة كانت مليئة بالوفاء وعشق الوطن. رجال حسموا خياراتهم في الحياة، فقرروا أن يبنوا من أجسادهم، جسوراً للتلاقي بين أبناء البلد الواحد، تماماً كما أرادوا أن يكون وداعهم، يوماً للوحدة وتنقية للقلوب وراحة وصلاة على أرواحهم التي ستظل صلبة كالجبال. هو يوم سوف تروي فيه أصوات المآذن وأجراس الكنائس، حكاية عن ثلّة من الأبطال، فضّلوا الإستشهاد، على أن يستسلموا لإرادة الإرهاب.

كانت ابتساماتهم حاضرة في ملامح كل عنصر من الجيش وهو يُراقب خروج آخر إرهابي من جرود لبنان. كانت أمنياتهم حاضرة وأحلامهم تترقب الميدان لتُعلن نصرها المُبين، وما بين الحلم واليقظة، كان شهداء الوطن والقضية، يرمون بسلامهم على جنود اختصروا الأرض كلها بمساحة 120 كيلومتراً مربعاً، فراحوا يُرتلون عليها نشيد النصر ويرفعون على تلالها أعلام وطن سوف يحضن اليوم وللمرة الاخيرة، أجساد محمد يوسف، ابراهيم مغيط، خالد حسن، حسين عمار، مصطفى وهبي، علي المصري، علي الحاج حسن وسيف ذبيان. وللمرة الاخيرة، ثمة معتصمون سينفضون عنهم قهر السنوات وعذاباتها وظلمها، وسيُجددون العهد والوعد وسيرفعون أقواس نصر مُكللة بجباه ما عرفت الذل ولا الهوان، جباه لم تنحنِ للقاتل ولا لإملاءاته، فقررت الرحيل بشرف وإباء، بعد أن وضعها بين خيارين، إمّا الموت بكرامة وإمّا العيش بالمهانة.

في كل يوم كان يمر من عمر الأزمة في الجرود بسبب وجود الخطر الإرهابي، كان الجيش يزداد قوة ومنعة وكانت تزداد معه إرادة المواجهة والإصرار على مواصلة المعركة حتى تحرير كامل الأرض مهما بلغت التضحيات وغلت الأثمان. في تلك الأثناء، كان مصير الجنود الثمانية لا يزال مجهولاً، فقد تراوحت الكهنات بين استشهادهم وبقائهم على قيد الحياة، وفي الحالتين كان خيار الجيش واضحاً وهو الإصرار على رسم طريق الانتصار مهما كلّف الأمر. ومن باب غربة الجنود المخطوفين يومها وآلام أهاليهم وصبرهم، وضع ضبّاط وعناصر الجيش أنفسهم أمام احتمالين لا ثالث لهما: إمّا الحرية للوطن ولرفاقهم وإمّا الشهادة المُكللة بالعزة والفخر.

هي دعوات لأن يكون الحدث اليوم مناسبة وطنية لا خلافية، مناسبة تجمع لا تفرّق وتمتد فيها الأيادي لتصافح بعضها البعض مهما تنوّعت الاختلافات وتباينت وجهات النظر. مُناسبة يُعاد فيها التأكيد على دور الجيش والرهان على الدولة ومؤسساتها فقط. ومن الثوابت هذه، دعا رئيس الحكومة سعد الحريري من السراي الحكومي أمس، إلى الوقوف دقيقة صمت على ارواح الشهداء العسكريين، مشدداً على «وجوب أن تكون هذه المناسبة، مناسبة وحدة وطنية وأن لا تتحول إلى انقسام سياسي».

تختصر جملة «الحداد الوطني» اليوم، معاناة وطن ظل تحت رحمة الارهاب لفترة تزيد عن أربع سنوات، تعرض خلالها لأبشع المؤامرات ما عدا الاستهدافات التي كانت تطال أبناءه من منطقة إلى أخرى. هم شهداء تنوعت مذاهبهم وطوائفهم، قضوا بفعل الاجرام، مرّة بأحزمة ناسفة، ومرّات بسيارات مفخّخة، قد آن الأوان لحماية شهادتهم ومنع استخدامها ضمن السجالات السياسية ووضعها فقط في مكانتها الوطنية فقط. وأهم جهة يُمكنها المحافظة على إرث الشهادة اليوم، هي الجيش الذي يزداد قدرة على تعزيز الأمن وتثبيت الإستقرار والمعطوفة على ضرب الإرهاب أينما حل وأينما وُجد. واليوم، سيُثبت الجيش للقاصي والداني، أن واجب حماية الأرض لا يقل أهمية عن حماية دماء شهدائه وتحصين مؤسسته التي لم تبخل يوماً في تقديم الغالي والنفيس في سبيل تحرير الأرض كل الأرض.

ووفق قانون الدفاع الوطني (المرسوم الاشتراعي رقم 102 تاريخ 16/9/1983 وتعديلاته)، يقوم الجيش بثلاث مهمات: دفاعيّة، أمنيّة، وإنمائيّة، وتهدف هذه المهمات الى الدفاع عن الوطن، والمحافظة على السيادة وعلى سلطة الدولة، وحماية الدستور، وحفظ الأمن والاستقرار، والمساهمة في تأمين الاستقرار الاجتماعي والتنمية. وفي الشق الدفاعي، فمن أولى واجبات الجيش الدفاع عن حدود الوطن ضدّ أيّ اعتداء خارجي خصوصاً في مواجهة العدو الاسرائيلي وحماية حدوده مثل مواجهة التنظيمات الإرهابية على الحدود الشرقية والشمالية. وهو قد استطاع فعلاً، دحر هذه التنظيمات ومحاصرتها على الحدود، وبالتالي تأمين سلامة القرى والبلدات المتاخمة لها.

مصادر عسكرية مواكبة لبرنامج اليوم المتعلق بالعسكريين الشهداء، أكدت لـ «المستقبل» أن الجيش غير معني على الاطلاق بأي سجال في البلد، فكل ما يهمه اليوم، حماية الانجازات التي حققها في حربه ضد الارهاب أولاً، وعدم إضاعة حق العسكريين الشهداء في أن ينالوا حقهم في يوم وداعهم، وهم الأبطال الذين سيُخلدون في سجلات الشرف العسكرية والمدنية وتكريمهم بالشكل الذي يستحقونه»، لافتة إلى أن «اليوم، هو يوم عزّة وكرامة لكل لبناني، وإذا لم نحفظ لهؤلاء الجنود نضالهم وحقهم وتضحياتهم، فلن نتمكن من الحفاظ على الانتصار الذي حققناه على الجماعات الارهابية والذي يعود فيه الفضل، للتكاتف الوطني والتعاطف الشعبي مع الجيش.

إمّا في الشق المتعلق بثبات الجيش وبالحفاظ على قوته ومنعته، فتؤكد المصادر أن «الجيش استطاع حماية كل المواقع التي تمركز فيها منذ سنتين في القرى الحدودية مع سوريا، على الرغم من قدراته المحدودة. كما استطاع الجيش الذي سقط منه شهداء أثناء تصدّيه لعناصر تنظيمي داعش وجبهة النصرة في الجرود ولفترات زمنية طويلة، من تثبيت تواجده ودعم وحداته حيث يتطلب الأمر. والمرحلة المقبلة سوف يقوم الجيش بتعزيز المناطق الحدودية بحسب ما تتطلبه الحاجة».