IMLebanon

خلفيات الدعوة الفرنسية لإعلان الدولة الفلسطينية

 

 

 

 

أعلنت فرنسا الخميس 24 تموز الجاري، أنها ستترأس مع السعودية اجتماعاً دولياً في الفترة المقبلة في الأمم المتحدة لإنقاذ حلّ الدولتين. ما أعلنته فرنسا، أتى بعد تصريح للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتوجه بلاده لإعلان رسمياً قيام دولة فلسطينية، عبر منصة إكس، مبرراً ذلك بالتزامها التاريخي بتحقيق السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط.

وكان من المقرر عقد مؤتمر حلّ الدولتين في نيويورك بين 17 و20 حزيران الماضي، برعاية فرنسية وسعودية، لوضع خارطة طريق تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية، لكن الهجوم الإسرائيلي في 13 حزيران دفع عدة وفود في الشرق الأوسط إلى الاعتذار عن الحضور، مما أدّى إلى تأجيله، فهل ستدفع عوامل عسكرية إسرائيلية، بتخطيط أميركي إلى تأجيل جديد للمؤتمر المزمع إقامته بعد معارضتهما الشديدة؟

 

قبل الخوض في الأهداف الفرنسية وراء هذا القرار، يتوقف المتابع في تساؤله عن حدود تلك الدولة المزمع الإعلان عنها، فهل هي الحدود ما قبل حرب النكسة عام 1967 على أن تكون عاصمتها القدس الشرقية؟

بصريح العبارة، عمدت إسرائيل منذ حرب النكسة إلى لحظة تصويت الكنيست الإسرائيلي الثلاثاء 23 تموز الجاري، في القدس، على تنفيذ شعار «الريفييرا في غزة من الرؤية إلى الواقع»، وحيث يرى أغلبية أعضاء الكنيست بأن الترحيل هو السيناريو المثالي لما بعد الحرب. رغم الأزمات الداخلية التي تعصف بحكومة نتنياهو، والتي تمثلت مؤخراً بانسحاب أحزاب يمينية متطرفة داعمة لها بحجة عدم التوصل لمنع ألتحاق طلاب المراكز الدينية بالمؤسسة العسكرية، إلّا أنّ الجميع في هذا الكيان متّفق على مبدأ الاستيطان، وما تم تأييده في الكنيست هو المقترح الذي يقضي بضم الصفة الغربية، وذلك بأغلبية 71 نائباً من إجمال 120، في خطوة قوبلت بتنديد الرئاسة الفلسطينية وحركة حماس.

من ضمّ الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الأراضي الإسرائيلية، من خلال تغيير الجغرافيا وتزوير التاريخ، إلى تعمّد حكومة نتنياهو إفشال المفاوضات مع حركة حماس في الدوحة عبر اختلاق الأعذار التي تضع اللوم على حماس في ذلك، لإطالة عمر الحرب وممارسة المزيد من الإبادة عبر التجويع بهدف الترحيل القسري لسكان غزة، وتحويل القطاع إلى منطقة سياحية كما ذكر وزير المال يسرائيل سموتريتش.

إعلان الدولة الفلسطينية من قبل الدولة الفرنسية هو بحدّ ذاته تحدّي أمام المجتمع الدولي والمنظمات الدولية على رأسها الأمم المتحدة، في مواجهة الرفض الأميركي المطلق. حيث أتى أول ردّ أميركي على ماكرون من قبل وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، ليعبّر عن «رفض بلاده بشدّة» ما أعلنته فرنسا. كما واشنطن كذلك تل أبيب، التي أعلن رئيس وزرائها أن إعلان فرنسا هذا، هو بمثابة «مكافئة للإرهاب»، معتبراً أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى إيجاد «وكيل إيراني» جديد وهو تماماً ما تحوّلت إليه غزة.

قد تكون النوايا الفرنسية سليمة تجاه هذا الموضوع على اعتبار أنه التزام تاريخي وأخلاقي للدولة الفرنسية تجاه المنطقة بعد تطبيق اتفاقية سايكس بيكو التي جلبت الانتداب الفرنسي والبريطاني إليها. فانطلاقا من إيمان فرنسا بشرعة حقوق الإنسان واحترام الشعوب في تقرير المصير، وأمام هول الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، توجهت الحكومة الفرنسية إلى اتخاذ هذا القرار على اعتبار أنه الوحيد القادر على فرض الاستقرار في المنطقة.

لكنّ في خفايا الدعوة الفرنسية، هناك الصراع الفرنسي – الأميركي المتمثل في الرؤية الاستراتيجية للمنطقة، بعدما شعرت فرنسا أن المصلحة الأميركية لا تنسجم مع مصالحها. هذا ما قرأته من خسارة تواجدها في القارة السمراء الذي أتى على حساب الحضور الأميركي. فبناء شرق أوسط جديد بعيد عن اتفاقية سايكس بيكو، هو مطلب إسرائيلي وأميركي، ولا سيما إن تل أبيب تعتقد أن ذلك يصب لصالح حلمها في بناء مشروعها التوسّعي بعدما تعمل على تدمير الأسس التي بنيت عليها الأوطان في ظلّ الحضور الفرنسي.

لهذا السبب يتعارض الحضور الفرنسي مع الأميركي في أكثر من ساحة، تحديداً على الساحة اللبنانية التي يجد المتابع بأن زيارة رئيس الحكومة نواف سلام إلى باريس ولقائه ماكرون الخميس 24 تموز لم تأتِ بالمظلة فرنسية، القادرة على وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان. كما وإن شدّ الحبال الفرنسي – الأميركي حول التجديد في آب المقبل لقوات حفظ السلام العاملة في جنوب لبنان، بدأت تميل إلى المقترح الأميركي الهادف إلى تقليص دوره وعديده، بعدما عملت فرنسا إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه.

لا تريد فرنسا الخروج من الشرق الأوسط، ولا تريد لشركاتها العاملة أن تخسر وظيفتها على حساب الشركات الأميركية، إذ يضع البعض أن التوتر الحاصل في جنوب لبنان من قبل الإسرائيلي ينعكس سلباً على أداء الشركة الفرنسية توتال للتنقيب واستخراج النفط. فمع هذه التوترات الاقتصادية والسياسية ومع تفعيل دور واشنطن في لبنان كوسيط جديّ، تضع شركة شيفرون الأميركية العين على الاستثمار في بحر لبنان. وتعتبر هذه الشركة التي تأسست عام 1979 واحدة من أكثر شركات النفط والغاز في المنطقة، المنافس ذات الحظوظ الأعلى أمان شركة توتال الفرنسية.

بعيداً عن النوايا الفرنسية من إعلان الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية، إلّا أن الذي انتصر من هذا الإعلان هي القضية بذاتها، حيث استعادت حضورها على الساحة الدولية، بعدما تراجعت في الفترات السابقة. وإن الحصار وسياسية التجويع والقتل التي تمارسها إسرائيل في القطاع شكّلت حالة رفض دولية لهذا الكيان وعرّته من ادّعاءاته بأنه يمثل الديمقراطية في المنطقة.

إن الاعتراف في دولة فلسطين لم يعد حلما وإن الدماء التي تسقط من غزة إلى الضفة بدأت تزهر أملاً في أرض القداسة التي تجمع في قدسها الديانات السماوية. وأن استمرارية المقاومة خلقت هاجسا لإسرائيل التي ذكر مسؤولها أن لا حلول عملانية لإنقاذ المحتجزين إلّا التوصل الى تسوية. كذلك تلعب الدول الحاضنة للقضية على رأسها دولة قطر في الاستمرار في إحياء المفاوضات رغم السعي الأميركي والإسرائيلي لعرقلة تلك الجهود.

لم يعد إقامة الدولة أمرا مستحيلا بل ممكنا في ظل ظروف باتت إسرائيل تسجن نفسها في دائرة مفرغة من الإجرام دون القدرة على الخروج منها. وإن العالم بات ينظر إلى عيوب إسرائيل ويندّد بجرائمها، لهذا توسّعت دائرة الدول الحاضرة للاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة، فهل بات الانتقال من الإعلان إلى التطبيق ممكناً؟