IMLebanon

صفير يُصلّي في إيليج وجعجع ينظّم المقاومين في ميفوق

 

 

دير القطّارة: حصن المقاومة حين دقّ الخطر أبواب الشّمال (الجزء الثاني)

 

 

صفير شدّد في عظته أمام المقاومين على الإيمان والصبر

قبل انتشار القوات السورية في ساحل البترون بعدّة أيام، طرح بعض المسؤولين العسكريين التمركز عند جبل دير سيدة النورية في حامات المشرف على الهري، والتصدّي للقوات السورية المتقدّمة من شكا، وفي اعتقادهم أنه يمكن إيقاف القوات السورية في شكا ومنعها من التقدّم، وبرأيهم أنه يمكن الصمود لأيام عدّة، فتبدأ الاتصالات السياسية، وتبقى منطقة البترون خارج السيطرة السورية.

 

ماذا يقول العميد موريس أبو رعد حول هذا الرأي؟

 

كان رأيًا خاطئًا كليًّا لا بل متهوّرًا إلى حدّ الجنون، وعندما علمتُ بما يُخطَّط، سارعتُ إليه لإبلاغ مسؤولي “الجبهة اللبنانية” في البترون أن المخطّط هو مجازفة لا تحمد عقباها ستؤدي إلى خراب منطقة البترون ودخول الجيش السوري إلى قرى وبلدات مدمّرة: القرار السوري واضح جدًّا وهو الوصول إلى جسر المدفون مهما كلّف الأمر.

رفضت القيادة السياسية لـ “الجبهة اللبنانية” هذا المخطّط، وأصرّت على التعامل مع موضوع الانتشار العسكري السوري بحكمة ورويّة.

يقول ضابط سابق: إن الذين نادوا بوجوب مواجهة القوات السورية عند جبل النورية في حزيران ولم يتمكّنوا من ذلك، هم أنفسهم من قادوا المواجهة العسكرية مع الجيش السوري في قرى وسط منطقة البترون في الأسبوع الأخير من شهر آب.

 

عيد انتقال السيدة العذراء في كنيسة سيدة إيليج

 

عشية عيد انتقال السيدة العذراء في 14 آب 1978 احتفل المطران (البطريرك) نصر الله صفير الذي كان نائبًا بطريركيًّا على بلاد جبيل، بالذبيحة الإلهية في كنيسة سيدة إيليج بمعاونة الخوري ميشال عويط والأب مارون خليفة ومشاركة مئات المقاومين الذين ضاقت بهم الساحة والحقول المجاورة.

 

خلال القداس، ألقى عظة تحدّث فيها عن تاريخ الموارنة والصعوبات التي واجهتهم وطلب من الجميع التمسّك بالإيمان والتحلّي بالصبر لعلّ الأيام القادمة تحمل أخبارًا سارّة.

 

اجتماع سراي البترون

 

ما بين 18 و 20 آب وبهدف معالجة الوضع المستجدّ في بلاد البترون بعد دخول الجيش السوري إلى ساحل المنطقة، التقى في مكتب آمر فصيلة درك البترون نائب البترون الدكتور جورج سعاده يُرافقه ميشال مخلوف أحد مسؤولي إقليم البترون الكتائبي مع العقيد السوري شحاده درة بمشاركة قائد ثكنة المدينة الكشفية في الجيش اللبناني، العقيد موريس أبي رعد والعميد علي جلول والعقيد محمد عثمان من الجيش اللبناني المفصولين إلى لجنة الارتباط مع الجيش السوري، وآمر فصيلة درك البترون الرائد شوقي حرب.

 

خلال اللقاء جرى استعراض الأوضاع الأمنية في القرى البترونية، وقرار توسيع رقعة انتشار القوات السورية باتجاه وسط وجرد البترون تطبيقًا لقرار مجلس الوزراء، القاضي بتسلّم “قوات الردع العربية” مسؤولية الأمن في كامل محافظة لبنان الشمالي، وأن يتم هذا الانتشار من دون الاصطدام بالأهالي ومقاتلي أحزاب “الجبهة اللبنانية”.

 

في سياق الحديث، فوجئ الجميع بحجم المعلومات الموجودة مع الضابط السوري شحاده درة حول المراكز العسكرية والحزبية في البلدات البترونية، التي لم تدخلها القوات السورية، وعدد المقاتلين ونوعية الأسلحة الموجودة، فقد تبيّن أن عملاء المخابرات السورية كانوا متغلغلين بقوة بين الأهالي وعناصر أحزاب “الجبهة اللبنانية”.

 

خرج الدكتور جورج سعاده ومن معه من الاجتماع شبه مصدومين ممّا سمعوه من العقيد شحاده درة.

على الفور، عقد اجتماع استعرضت خلاله جميع المعلومات التي باح بها العقيد شحاده درة، وتقرّر اتخاذ خطوات عملية لمحاولة معرفة المصادر التي تزوّد المخابرات السورية بهذه المعلومات الدقيقة، كما تقرّر الإيعاز إلى جميع المسؤولين الذين ذكرهم العقيد السوري، بوجوب مغادرة قراهم إلى المنطقة الشرقية، إذ كانوا ما زالوا يتردّدون إليها، لكن السؤال الذي ظلّ من دون جواب: لماذا أعطى العقيد السوري كل هذه المعلومات وهو الذي يعرف أن خطوات عملية ستتخذ لمعالجة كل الثغرات الموجودة؟

يقول العميد موريس أبو رعد: “كان الجيش السوري يريد إنهاء الانتشار بهدوء ومن دون مشاكل وهذا كان واضحًا من كلام العقيد السوري وهذا ما فهمناه كلّنا وحاولنا المستحيل لإتمامه”.

لاحقًا، بعد النكبة التي تعرّضت لها بلاد البترون أواخر شهر آب من ذلك العام، وبعد أن أصبح أكثر من نصف القرى البترونية تحت سيطرة القوات السورية، جرى تقييم ما حدث، فتبيّن أن من أهم نقاط الضعف العسكرية التي سجّلت يومها عدم وجود جهاز معلومات خبير وقوي وفعّال، قادر على رصد أي تحرّكات معادية قبل حصولها واكتشاف العملاء داخل صفوف المقاتلين. فتقرّر إنشاء جهاز معلومات مهمته متابعة أوضاع القرى والبلدات الواقعة تحت السيطرة السورية وملاحقة شؤون الأهالي الذين بقوا في منازلهم، إضافة إلى رصد وتوقيف العملاء الذين قد يتمّ وضعهم بين المقاتلين والمهجّرين، ورصد التحرّكات المعادية التي تستهدف المنطقة الشرقية.

تمّ اختيار اسطفان طنوس لهذه المهمّة، وطُلبَ منه تنظيم الجهاز الجديد، فباشر عمله مع قلّة من المعاونين من مكتب غير معروف في مدرسة السان جورج في جبيل.

من خلال هذا المكتب، استطاعوا نشر الشبكات في جميع القرى والبلدات البترونية والشمالية، والتحكّم بمعظم التحرّكات في المنطقة التي وقعت تحت السيطرة السورية: من خلال الأندية وفروع الكشافة والحركات الرسولية التي أعيد إحياؤها ودعمها ماليًا في جميع القرى.

استمرّ الجهاز الذي توسّع ناشطًا حتى تاريخ حلّ الميليشيات، واستطاع بفضل نشاطه داخل القرى والبلدات التي سيطرت عليها القوات السورية، كشف عدة عمليات أمنية، كانت تحضّر ضد المنطقة الشرقية وكشف شبكات عدّة تتعاون مع المخابرات السورية، وإنقاذ عشرات المواطنين المطلوبين من المخابرات السورية.

 

وصول الدكتور جعجع إلى ميفوق

الأربعاء 30 آب 1978، وصل الدكتور سمير جعجع يرافقه الأستاذ بهيج عبود إلى دير سيدة ميفوق، وكان أكبر تجمّع لمهجري الشمال، والتقى المجموعات الشمالية المتواجدة هناك، ومن ثمّ زار مخيّم بيدر صليّب بشعله ومهنية دوما، وبدأ من دير ميفوق تنظيم شباب الشمال، وبعد أيام أصدر الشيخ بشير الجميل قرارًا بتعيينه مفوضًا للقوى النظامية الكتائبية في الشمال.

منتصف تشرين الأول 1978، وبعد توقف حرب المئة يوم وبدء فتح المدارس أبوابها، اتفق على أن يتم إخلاء مدرسة سيدة ميفوق، وأن يتمركز شباب الشمال في دير القطّارة، وأن يهبط شباب البترون إلى بلدة راشا في وسط المنطقة.