IMLebanon

ديموقراطية بلا ديموقراطيين

عبثاً البحث عن مخارج دستورية للأزمة السياسية. ليس الدستور عائقاً أمام انتخاب رئيس للجمهورية. في تقاليد هذا البلد ان الطبقة السياسية تخرق القواعد الدستورية حين تتوافق على شخص الرئيس، أي حين تأتيها إشارة المرور الخارجية. كل ما يقترح الآن من حلول لا يجد صداه في أي من مواقع القرار في الداخل والخارج. ذريعة تمثيل المكونات الطائفية بالأقوياء دونها سجال طويل وفيها مصادرة مسبقة للعملية الديموقراطية. إذا كان هناك من تعديل للآليات الدستورية فلتكن شاملة وهادفة إلى بناء نظام سياسي مختلف قد يكون أكثر ملاءمة لحل النزاعات السياسية (الطائفية) بالطرق السلمية والديموقراطية. الأفكار هنا كثيرة لكنها مرهونة كذلك لقناعات أي مصالح الطبقة السياسية.

في الواقع الراهن لا تفكر معظم القوى لا بحلول مؤقتة ولا بحلول طويلة الأمد. هناك مواجهة مفتوحة على تشكيل النظام الإقليمي يأتي لبنان في آخر بنود جدول أعمالها، وقد يأتي ملحقاً لاستكمال الخارطة. برئيس أو من دون رئيس فقدت الدولة اللبنانية مرتكزاتها خارج هذا التوافق المعلن أو الضمني على وجودها الاسمي قطعة قطعة أو يوماً فيوماً. لبنان في حرب باردة بينما الآخرون من الدول حوله في حروب ساخنة.

الأسوأ أن لبنان لا يقدم اليوم للمنطقة إلا النموذج السلبي. قيل إن العراق تلبنن سلباً وإيجاباً، حرباً وسلماً. ثم تلبننت سوريا واليمن. لكن نظام المشاركة وفعالية المجتمع بقواه ومكوناته بديلاً من الأنظمة الدكتاتورية لم يثبت وجهه الإيجابي. الديموقراطية على اختلاف أشكالها ومعطياتها لا تقوم من دون ديموقراطيين. أهم ما افتقدناه في لبنان هم الديموقراطيون، ليس فقط كأشخاص بل كمرجعية للممارسة السياسية. ليس عندنا أحزاب ديموقراطية وهذا مؤكد وليس عندنا طموحات ديموقراطية. ما يُحكى عن هذا المصطلح المقصود منه شيء آخر. أزمة إقرار قانون الانتخابات النيابية أكبر دليل.

لم يولد «الطائف» دفعة واحدة وفي غرف معزولة ومن أفكار أشخاص بعينهم. بدأ بهيئة الحوار الوطني 1975 والبرنامج المرحلي للحركة الوطنية ثم في الوثيقة الدستورية، ومذكرات الجبهة اللبنانية والهيئات الإسلامية، وجنيف ولوزان والاتفاق الثلاثي، ومن خلال أوراق الحوار التي تقدمت بها جميع الأطراف. كان الحوار ساخناً ولكنه كان هادفاً والجميع كان يأخذ بنظر الاعتبار هواجس الآخرين. لم يفرض أحد من الخارج على اللبنانيين صيغة النظام السياسي. أهمية اتفاق الطائف أنه تضمن توازناً بين مطالب اللبنانيين، لكن هذا التوازن سقط امام ممارسة القوى السياسية. ولا زالت مشكلات الطائف بصورة رئيسية نابعة من طبيعة القوى لا من النصوص الدستورية على أهمية الحاجة إلى معالجة بعض الثغرات التي لم تقع سهواً.

ليتنا نستطيع ان نستدرج القوى السياسية للإفصاح بوضوح عن نظرتها الشاملة للنظام السياسي الأفضل الذي يستجيب لطموحاتها ونخرج من دوّامة هذه المشاحنات والمشاكسات السياسية والدستورية. المدافعون عن الطائف الآن أصحاب امتيازات لا نعتقد انها شرعية، والمعترضون على مسار وتطبيق الطائف يشعرون بالغبن أبعد من اللحظة السياسية. ومن البداهة القول إن بلداً كلبنان مرّ بهذه الاختبارات والتجارب خلال ربع قرن يحتاج إلى نظرة جديدة لنظامه السياسي.

بقطع النظر عن بعض المخاوف أو الهواجس من تجاوز الطائف أو فسخ هذا العقد عن غير بديل أو فكرة المؤتمر التأسيسي وما ينطوي عليه من مخاطر، فإن الطائف كان وما يزال يحتاج إلى ورشة عمل وطنية كبيرة لتطبيقه. فالمؤسسات التي استحدثها على الأقل لم تتشكل أو أنها تشكلت خلافاً لروح الطائف. من قانون الانتخاب إلى القوانين الداخلية للرئاسة والحكومة، إلى اللامركزية الإدارية، والمجلس الدستوري، والمجلس الاقتصادي الاجتماعي، والمجلس الوطني للاعلام، والمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، واستقلال القضاء، وغير ذلك من مواضيع إعادة بناء الدولة.

يجب الخروج من هذا الهمود في الحياة السياسية وأخذ اللبنانيين إلى نزاعات وانقسامات لا يمكن ان تصرف من أجل استقرارهم وأمنهم وتقدمهم الاجتماعي.