IMLebanon

عمق الابتزاز الأميركي للسعودية وإيران: حالتان

يوم الجمعة المنصرم خرجت صحيفتان أميركيتان رئيسيتان بتقريرين حول موضوعين مختلفين لكنّ كلاً منهما يطرح مشكلة أميركية جادة جدا مع إيران والمملكة العربية السعودية معا ومختلفة الواحدة عن الأخرى، إلى حد يكاد يبدو الأمر وكأنه بين “أعداء” لا أصدقاء؟ لتلاقي الضّغْطَيْن معنى ولمضمون كلٍّ منهما معنى أشد فداحة.

أحد التقريرين نشرته جريدة “وول ستريت جورنال” عن “تهديد” إيراني رسمي للإدارة الأميركية بإعادة النظر بالاتفاق النووي إذا استمر التضييق الأميركي على حركة الأموال الإيرانية في النظام المصرفي العالمي والآخر في ” النيويورك تايمز” عن “تهديد” سعودي رسمي بسحب الودائع المالية السعودية من الخزانة الأميركية والبالغة 750 مليار دولار إذا جرى إقرار قانون جديد في الكونغرس من شأنه إعادة فتح ملف “مسؤوليات” الحكومات الأجنبية في أحداث 11 أيلول 2001 الإرهابية.

إذن موضوعان جدّيان جدا بالنسبة لحكومتي البلدين إيران والسعودية.

الأول يكشف أن الاختناقات الاقتصادية والمالية الإيرانية لم تنفرج بعد الاتفاق النووي سوى بشكل جزئي والثاني يكشف أن العلاقات الأميركية السعودية، رغم تبرؤ إدارة أوباما من مشروع القانون هذا، لا تزال تحمل موادَ قابلة للانفجار في أي وقت مع أن هذا الأسبوع سيشهد لفتةً مهمة من واشنطن حيال قمة دول مجلس التعاون الخليجي بحضور الرئيس باراك أوباما لهذه القمة.

في ما يتعلق بإيران وحسب “الوول ستريت جورنال” فإن حاكم المصرف المركزي الإيراني ولي الله سيف الذي شارك مؤخرا في الاجتماع السنوي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في واشنطن هو من أبلغ المسؤولين الأميركيين بهذا التهديد. وهو أن حجم التضييقات على الحركة المالية الإيرانية في المصارف العالمية يعني إخلالا أميركيا جوهريا بالاتفاق النووي قد يدفع طهران إلى إعادة النظر به.

أما في ما يتعلّق بالسعودية وحسب “النيويورك تايمز” وبعدها “السي إن إن” فإن الذي نقل التهديد هو وزير الخارجية عبدالله الجبير الشهر الماضي عندما زار واشنطن وأبلغ المسؤولين الأميركيين بأن تمرير القانون يعني السماح بمساءلة الحكومة السعودية، وتحديدا بعض ديبلوماسييها المتهمين، إعلامياً وليس قضائيا، بتسهيل عمليات 11 أيلول بسبب وجود 15 سعوديا بين المتنفذين الإرهابيين الـ19 للتفجيرات يومها.

بمعزل عن الضجيج بل التضخيم الذي تمارسه بعض الأوساط الأميركية منذ تلك الأحداث قبل 15 عاما حيال دور السعودية فالسؤال الأول هو لماذا الآن يجري تصعيد هذا الموضوع وليس فتحه فقط عبر تحويله إلى مشروع قانون أمام الكونغرس حتى أن “السي إن إن” نقلت عن نائب أميركي ردّاً على التهديد السعودي أنه على واشنطن أن تحتجز الأموال السعودية وليس العكس.

أما في الحالة الإيرانية فالضغط أيضا واضح. إذْ ما معنى هذا الاتفاق النووي إذا تمسّكت أيضا واشنطن بالعقوبات “الفرعية” المصرفية لإبقاء الاختناق الذي من أجل إنهائه قامت إيران أساسا بتوقيع هذا الاتفاق.

السؤال الأساس الذي يعنينا هنا مع وجود سوء التفاهم الأميركي مع السعودية وسوء التفاهم الأميركي مع إيران في وقت واحد ، وكلاهما عبر استخدام الكونغرس، هو التالي:

من أين يأتي هذا الشعور بالتفوق الأميركي على أقرب الحلفاء المسلمين، الحليف القديم السعودية و”الحليف” الجديد إيران لكي تستخدم واشنطن هذه الوسائل الضاغطة بشكل دائم؟ هل هو الأسلوب الأميركي الذي يأتي من تقاليد تحجيم الصديق والخصم بل الصديق قبل الخصم أم هو النظام السياسي الأميركي الذي يتيح فعلا تقسيم العمل بين الفرعين التنفيذي والتشريعي للسلطة وبينهما هنا وهناك الرأي العام؟

أيا تكن الإجابة بل الإجابات على هذا السؤال فإن تسليط الضوء الأسبوع المنصرم على هاتين المشكلتين الحساستين في علاقة أميركا بإيران وعلاقة أميركا بالسعودية مناسبة للتأمل العميق في عمق التحولات ولاسيما السؤال: هل من فارق بين المشكلتين أم كلتاهما تعكسان ميزان قوى العلاقة؟

بالنهاية هذه قراءة في خلل عميق وليست قراءة في توازن التكتيكات؟ هناك ما هو أبعد بكثير؟