IMLebanon

كرول تفقأ الدملة: مَن يحكم الحكومة؟

 

بات يصحّ وصف حكومة الرئيس حسان دياب بالعبارة التي صوَّر فيها زاهي البستاني، ذات يوم، مأزقاً وطنياً في الثمانينات محكم الإغلاق: نحن في نفق طويل كله أكواع، لا يعرف المارّ فيه كم كوعاً ينتظره، وماذا وراء كلّ كوع؟

 

ظلت حكومة الرئيس حسان دياب، حتى الأيام القليلة المنصرمة، تصدّق كذبة الطبقة السياسية لها أنها مستقلة، إلى أن كذّبت هي نفسها بنفسها. ما رافق الجلسات الأخيرة لمجلس الوزراء، برهن لدياب أنه أضحى وحيداً. وقد يكون المستقلّ الوحيد في حكومة لم يختر بنفسه كل وزرائها. وزراؤه ليسوا وزراءه، والوزراء المستقلون ليسوا إلا وزراء الكتل التي سمّتهم، ومنها يستمدّون قراراتهم. بات من البساطة، بانقضاء سبعة أشهر على تأليف الحكومة، أن يقول وزراء إنهم يتحدثون باسم فريقهم السياسي الذين لم يكونوا مرة، قبل توزيرهم، في عداده. من قبل، في جلسة التعيينات المالية والإدارية، ائتمر وزيران بفريقهما السياسي وتغيّبا مع أن تيارهما، تيار المردة، حاز حصته فيها. صار من السهل أيضاً سماع مرجع ورئيس حزب يهدد بسحب وزرائه من الحكومة.

كل ذلك كان ينتظر مَن يفقأ الدملة، قبل أن يتأكد دياب أن حكومة التكنوقراط والمستقلين التي يترأسها ليست حكومته. مع أنه صدّق الكذبة يوم ألّفها.

كل الأحاديث الأخيرة دارت حول بقاء حكومة دياب أو استقالتها. عندما يُسأل رئيسها عن ذلك، يُقدّم في وقتين مختلفين إجابتين متناقضتين: أولى، لن يستقيل، قبل أن يضيف أنه لا يريد أن يمضي وقتاً طويلاً في تصريف الأعمال على جاري حال تأليف الحكومات. وثانية، أن الضعف الذي يضرب حكومته يجعلها أقرب ما تكون من الآن إلى حكومة تصريف أعمال للسنتين المقبلتين، في إشارة صريحة إلى المدة المتبقية من ولاية الرئيس ميشال عون. بيد أن أحداً لا يتوقع منه أن يستسلم إلى القدْر الذي يجعله يبادر هو إلى تقديم الاستقالة.

بعض مَن اعتاد استشارتهم، أو استمزاج آرائهم، نصحوه بالتهديد بالسلاح القوي والأمضى الذي بين يديه، وهو استقالته، في مرحلة ليس سهلاً على عرّابي حكومته الوصول إلى اتفاق على رئيس جديد للحكومة، كما على أعضائها. وافق على ما سمعه منهم، من أن تنحيه يفتح أبواب مآزق شتى. بيد أنه تبرّم من تواصل حملات التضييق عليه، يوماً بعد آخر، ممّن يفترض أنهم الآباء الشرعيون لحكومته. على نحو مختلف لما رافق ما بعد استقالة الرئيس سعد الحريري في 29 تشرين الأول الفائت، عندما تأجل إجراء الاستشارات النيابية الملزمة 50 يوماً، ريثما يصير إلى الاتفاق على الحكومة قبل تكليف رئيسها، ما تعذّر حصوله وقتذاك، فإن الخوض الآن في حكومة جديدة تخلف حكومة دياب – بالحريري أو سواه – يوجب سلفاً قبل استقالتها، الاتفاق على الخلف وعلى تركيبتها في آن تفادياً للدخول في مجهول لا أحد يعرف متى ينتهي وكيف.

على نقيض ما قاله دياب عن إنجازات حكومته، والنسبة التي قدَّرها لها في مئة يوم، وهي 97%، يكاد لا يُعثر في سجل حكومته على واحد ذي شأن يُذكر. بل تخلت عن معظم ما اقترحت حصوله، أضف أن أياً من مشاريع الإصلاح التي تعهّدتها لم يبصر النور. فشل دياب في إقرار التشكيلات القضائية التي أوردها في البيان الوزاري لحكومته وقد عدّتها في رأس سلم الإصلاحات، وكان سأله عنها مراراً سفراء دول كبرى مهتمة بلبنان. مع أن التصويب الفعلي هو على رئيس الجمهورية الذي أحجم عن توقيع التشكيلات اعتراضاً عليها، إلا أن دياب اكتفى بتوقيعه فلم يقترن بالإصرار عليها، وفَصَلَ في التعاطي معها ما بينه ورئيس الجمهورية كأنها مسؤولية الرئيس حصراً، فيما حكومته محايدة. كل ما تقترحه يسقط على طاولة مجلس الوزراء من الكابيتال كونترول وصولاً إلى التدقيق التشريحي لحسابات مصرف لبنان الذي أقره مجلس الوزراء في 24 آذار، وكلاهما اقترحهما وزير المال غازي وزني، وكلاهما أيضاً تخلى عنهما صاحب الاقتراح. لم تمر التعيينات المالية والإدارية إلا بعدما رضخ رئيس الحكومة إلى المحاصصة التي رفضها في المرة الأولى، ثم انضم إليها. كذلك حصل مع معمل سلعاتا للكهرباء. سقط ثم عُوِّم، لأن ثمة أحداً من خارج الحكومة هو رئيس حزب رئيس الجمهورية يريد المعمل في هذا المكان. خاض دياب معركة خاسرة لإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كان رئيس الجمهورية بادئ بدء رأس حربتها. ثم أضحى الحاكم يشارك في جلسات مجلس الوزراء، رغم مآخذ الوزراء على أن حضوره يكون في الغالب غير مجد، بدعوى أنه لا يريد إفهامهم ما يريدون أن يعرفوا ويفهموا. فوق ذلك كله، تبدو حكومة دياب أضعف من مقدرتها في الدفاع عن خطتها الإصلاحية الاقتصادية. بعدما طعن مصرف لبنان وجمعية المصارف في أرقامها، ثم انقلبت عليها لجنة تقصي الحقائق النيابية، وتحولت مشكلة في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، أتت استقالة المدير العام لوزارة المال آلان بيفاني وتأكيده أن صاحبة الخطة تبدو كأنها تخلت عنها.

عندما شعر في 15 حزيران بأن ثمة تباطؤاً متعمّداً في توقيع العقد مع شركة كرول للتدقيق الجنائي، اقترح دياب على مجلس الوزراء اتخاذ قرار يقضي بانتقال التفويض المعطى إلى وزير المال بالتوقيع إليه، فعارضه في المرة الأولى. عاود طرح انتقال التفويض إليه في الجلسة ما قبل الأخيرة لمجلس الوزراء، فخذله أيضاً. ثم أثيرت عاصفة من حول شركة كرول. الذريعة المعلنة أن علاقات أمنية تجمعها بإسرائيل، مع أن مصرف لبنان سبق أن استعان بها في عقود مع بنك انترا وشركة طيران الشرق الأوسط، وتعاملت قبلاً مع الكويت، وهي في صدد التعاون مع إيران، فيما يرفض التعاون مع الشركة الحلفاء اللبنانيون للجمهورية الإسلامية. لم تمر على رئيس الحكومة، كما على وزراء مؤثرين، دعابة أن الشركة قد تفشي أرقام مصرف لبنان وأسراره إلى الإسرائيليين والأميركيين، في وقت ليس خافياً على أحد أن الأرقام هذه، كما معظم ما لدى مصرف لبنان من أسرار وملفات مالية وسياسية، في حوزة الأميركيين منذ زمن طويل.

 

مع أن موضوع شركة كرول طُوي في جلسة الأربعاء، ولم يُثر في جلسة الخميس، وقد يعاد إلى الخوض فيه، مع شركة بديلة محتملة، في جلسة مجلس الوزراء الثلثاء المقبل، إلا أن بعض المعطيات التي أحاطت بنسف الاتفاق مع كرول، قدّمت أحدث الأدلة الحسية، وليس آخرها بالضرورة، لدياب على أن حكومته تدار من خارجها، وليس من على طاولة مجلس الوزراء. عندما أعلن وزير المال أنه لن يوقّع العقد مع الشركة، برّر الأسباب بأنه «تبيّن لنا»، من غير الإفصاح عن تقارير أو معلومات، أنها على صلة بإسرائيل. وقد لا يكون سراً أن لا شركة دولية ليس في عداد موظفيها إسرائيليون، من غير أن يكونوا حضروا إلى لبنان، أو لا تتعامل مع الدولة العبرية. ثم أعطى وزني جواباً ثانياً لوزيرة العدل ماري كلود نجم، التي شاركت وزارتها في إعداد عقود التعاون مع الشركات الثلاث إحداها كرول، ثبّت رفض التعاون مع كرول بالقول: الفريق السياسي الذي أنتمي إليه لا يوافق على التعامل معها لأن لدينا معلومات عن تعاونها مع إسرائيل، لا بل مع الموساد. كما أن فريقي السياسي لا يوافق على التدقيق الجنائي، لأن من شأنه أن يؤدي إلى افتعال دعاوى دولية ضدنا.