IMLebanon

واقعيّة «نيابيّة» من الحريري وجنبلاط… و«ثوريّة شفهيّة» لجعجع والجميّل

حكومة دياب تسير بهدوء… وانتظام أمني وسياسي في مُواجهة الفوضى

 

ما حصل في 19 تشرين الثاني 2019 ، لم يحدث في 25 كانون الثاني 2020 ولم تستطع «الجحافل الثورية» في منع «الهواء والماء» عن النواب وعن مجلسهم وإنعقدت جلسة الموازنة وكان ما كان.

 

ومن باب الواقعية لا من باب التشفي، ومن دون الاستخفاف بالحراك الموجوع والجائع والخائف على مصيره. وأيضاً من دون الإساءة الى 4 ملايين ونصف لبناني بالحد الادنى بقوا في بيوتهم ولم ينزلوا الى الشارع. وهم كأخوتهم «الثوار الحقيقيون» جائعون ومتعبون وقرفون مما يجري.

 

ومن باب التوازن ايضاً، تؤكد اوساط في تحالف 8 آذار، أننا اليوم امام عودة الإنتظام الى الحياة السياسية والامنية في البلد في مواجهة العبثية والفوضى وفي مواجهة المجهول الذي عشنا فيه لثلاثة أشهر. وتشير الاوساط الى ان كل مطالب الحراك المعيشية والاجتماعية وحتى السياسية من المطالبة بزج الفاسدين على كثرتهم في السجون وإسترجاع المال المنهوب هو أكبر تحد امام فريقنا وامام السلطة كلها وامام الحكومة جمعاء، ولا احد يدعي العفة والطهارة والمهم ان نتفق على معيار واحد للمحاسبة يطال الجميع من دون إستثناء.

 

وتقول الاوساط نفسها، إن إنعقاد الجلسة النيابية أمس شكّل تحدياً امام السلطة والحكومة الجديدة والقوى الامنية والجيش، فليس المطلوب الإفراط في العنف والضرب ومجابهة المتظاهرين وحتى المشاغبين منهم بالقوة القصوى وهناك أطر قانونية ومنطقية لا يجب تجاوزها. ولكن في المقابل، هناك منطق وعقلانية: تكسير الاملاك العامة والمصارف وإغلاق الطرق امام المواطنين والاعتداء عليهم ومجابهة القوى الامنية بالحجارة والعصي ايضاً غير مقبول وسيواجه بحزم.

 

وفي حين منعت قوى 8 آذار نفسها واحزابها ومناصريها من شارع مقابل شارع في المنطقة الواحدة، اي عند قطع الناعمة والجية وبرجا وطريق البقاع مثلاً، تنزل مجموعة اخرى من قوى 8 آذار «شعبية» على غرار الاولى من الفريق الآخر، تقطع منطقة مقابلة او قريبة منها وينزل الجيش ليزيل الطرفين.

 

وتكشف الاوساط ان الحرص على عدم تفلت الشارع ومنع سقوط الدماء والصدام المذهبي والطائفي وعدم إنهاك الجيش والقوى الامنية كان حاسماً في تجاوز المرحلة الصعبة.

 

وتنطلق الاوساط من هذه القراءة لتقول ان، من خلال هذه الروحية والقراءة تعمل السلطة والحكومة الجديدة التي نجحت مع القوى الداعمة لها في وقف مسلسل الفراغ وتعطيل المؤسسات، كما نجحت في دعم القوى الامنية وخصوصاً الجيش لحماية حق التنقل والحق التشريعي للنواب. وفي المرة السابقة وفي جلسة 19 تشرين الثاني، عدم قيام الجيش والقوى الامنية بحماية النواب لوصولهم الى الجلسة التشريعية هو من منع الجلسة وليس العكس.

 

فعندما قام الجيش بواجبه وفي ظل اوامر واضحة من السلطة السياسية وكذلك للامن الداخلي، نفذت القوى الامنية المتوجب عليها، في حين تقاعس الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري عن القيام بذلك ولأجندات معروفة ولكنها اليوم لم تجدِ نفعاً في ظل وجود الإرادة السياسية.

 

وفي ظل الفراغ الحاصل في كل المجالات، كان لا بد من عقد جلسة الموازنة وهي دستورية مئة في المئة. ولو لم تنل الحكومة الجديدة الثقة، لا نص دستورياً يمنعها من حضور جلسات مناقشة الموازنة، ولكن هناك تساؤلات يدرسها خبراء قانونيون حول الوضعية القانونية للموازنة، هل تتبناها حكومة الرئيس حسان دياب بعد إقرارها ونيلها الثقة؟ وهل من نص قانوني يمنع ذلك لكونها لم تدرسها ولم تشارك في إعدادها؟

 

وتشير الاوساط الى ان الإجابات عن هذه الاسئلة يتولاها المعنيون، ويمكن ان تُعدّل بعض المواد والقوانين فيما يعد بقوانين ومواد اخرى وهذه الامور قيد الدرس والتدقيق القانوني، وتؤكد الاوساط ان جميع القوى السياسية مدركة لصعوبة الوضع والحكومة الحالية لا تدّعي فعل المستحيل، ولا تقوم بالسحر او الشعوذة او التنبؤ الفلكي، ولكنها في الحد الادنى حكومة الانقاذ وإدارة الازمة على حافة الهاوية والانهيار الكامل والافلاس والفراغ يعني الانتحار.

 

وبما ان هذا الكأس المرة سيشرب منها اللبنانيون جميعاً من يؤيدون دياب ومن يعارضونه، أتت خطوة الحريري وكتلة «المستقبل» و«الاشتراكي» والنائب السابق وليد جنبلاط لتُشّكل خطوة مدروسة في اتجاه الواقعية السياسية وتحمل المسؤولية. ولو لم يسميا دياب او يشاركا في حكومته وربما لن يمنحاه الثقة لاحقاً. ولكنهما تحملا المسؤولية امام جمهورهما ولو لم يرض جزء من الشماليين والعكاريين عن حضور كتلة «المستقبل» وتأمينها النصاب، رغم انها صوتت ضدها وهنا المفارقة ان الحريري ارسل موازنته وصوت ضدها!

 

اما «القوات اللبنانية» ورئيسها سمير جعجع ومعها حزب «الكتائب» سامي الجميل واللذان قاطعا الجلسة، تدعوهما الاوساط الى تنفيذ ما يطالبان به في مسألة الانتخابات النيابة المبكرة وهي مطالب الحراك وجزء كبيرة منه. ومن دون إستقالة من مجلس النواب لا انتخابات جديدة، فليبادر نواب «القوات» و«الكتائب» الى الإستقالة او يحضروا الى الجلسات النيابية ليمارسوا دورهم التشريعي والرقابي كنواب.

 

أما دخول وركوب والتمدد نحو الحراك الشعبي، بالأقوال لا الأفعال يظهر كأنه رغبة في التعطيل والنكايات لوقف العمل التشريعي وللتشويش على الحكومة. وهذا أمر لا يمكن لاحد القيام به. الحكومة وفق الأوساط ستكمل طريقها وهي أمام تحد كبير وستكون محط أنظار 8 آذار قبل خصومها، ولا سيما ان هناك قرارات كبرى تنتظرها ولن نرحمها في حال تخلفت عنها.