IMLebanon

كذبة تهريب المازوت إلى سوريا

 

 

منذ أشهر، تشهد السوق المحلية ضخّاً للشائعات عن تهريب مادة المازوت إلى سوريا. حيكت روايات عن استنزاف احتياطات مصرف لبنان وعن الحدود المفتوحة على مصراعيها تحت أعين حزب الله… لكن الصدفة وحدها كشفت عن تزامن هذه الأكاذيب مع «انهيار» عصابة الفيول المغشوش المترامية الأطراف: بيوت سياسية عريقة مع تجّار بصلات محليّة ودوليّة، ومنافسون محليون. كانت حصّتهم السوقية عبر الفيول المغشوش، لكن بات المازوت محورها الأساسي لإلغاء منافسين عبر تحريض الأميركيين عليهم

 

«خبريّة» تهريب المازوت إلى سوريا تكذّبها أرقام الجمارك اللبنانية التي تشير إلى أن استيراد المازوت في الأشهر الستة الأولى من السنة الجارية انخفض قياساً على الفترة نفسها من السنوات الماضية، وبالتالي لا دقّة لما يشاع عن حصول تهريب كهذا. ففي الأشهر الستة الأولى من عام 2020، استورد لبنان نحو 1.25 مليون طن من المازوت، مقارنة مع 1.38 مليون طن في 2019 ونحو 1.4 مليون طن في 2017. هذا يعني أن معدل استهلاك المازوت يومياً في لبنان انخفض من 10.2 ملايين ليتر يومياً في 2017 إلى 10.1 ملايين ليتر يومياً في 2019، وبلغ في الأشهر الستة الأولى من هذا العام 9.12 ملايين ليتر يومياً.

 

انخفاض كمية المازوت المستوردة لا يترك الكثير من الخيارات؛ فهذا يعني أن الاستهلاك يتقلص أو أن هناك معوقات تحول دون استيراد الكميات اللازمة. قد لا تكون الصورة الأقرب إلى الواقع متصلة بكورونا وما سببته من انخفاض في النشاط الاقتصادي ناتج من الإغلاق بين شباط وأيار. فالحياة لم تتوقف بشكل كامل في ضوء الإغلاق الناتج من كورونا، بل واصلت قطاعات واسعة العمل بشكل شبه طبيعي، وربما أكثر من المعتاد. ومن أبرز هذه القطاعات المستهلكة للمازوت: قطاع مولدات الأحياء الذي استمر بالتشغيل واستهلاك المازوت، والمستشفيات لم تغلق أبوابها، والأفران فتحت لصناعة الخبز ومصانع الغذاء بكاملها بقيت تعمل… نعم، أقفلت المطاعم والفنادق، لكن هل هذا الأمر يبرّر تراجع الاستهلاك من سنة إلى سنة وإطلاق اتهامات محدّدة تطال شركات معينة بالتهريب إلى سوريا؟

يومها قيل إن سوريا تستفيد من المازوت اللبناني المدفوع ثمنه بالعملة الصعبة من احتياطات مصرف لبنان بما قيمته 400 مليون دولار من خلال الاستفادة بين سعره في لبنان (في نيسان كان يبلغ 10 آلاف ليرة وارتفع اليوم إلى 16300 ليرة) وبين سعر المازوت الحرّ في السوق السورية الذي يباع بما يوازي 20 ألف ليرة لبنانية. قيل أيضاً إن حزب الله يسيطر على الحدود وينظّم عمليات التهريب التي تشمل مادة المازوت وسلعاً أخرى.

عملياً، إن كلفة التهريب من لبنان إلى سوريا كبيرة جداً. كل المازوت الذي يأتي إلى لبنان يضخّ من السفن التي تشحنه في خزانات منشأة على الشاطئ اللبناني. وبالتالي، فإن كلفة نقله من الساحل إلى المناطق القريبة إلى التهريب تفوق 2000 ليرة لكل صفيحة. فبحسب أحد تجّار المازوت «إن كلفة نقل شاحنة (سيتيرن يتسع لنحو 20 ألف ليتر أو 1000 صفيحة) مازوت من بيروت إلى بعلبك تبلغ مليونَي ليرة. لذا، إذا أراد أحد ما تهريب المازوت فسيترتب عليه كلفة تفوق 7000 ليرة لأن مسافة الطريق من بعلبك مثلاً إلى الأماكن السورية طويلة نسبياً والتهريب له كلفته أيضاً». ما يقوله هذا التاجر، هو أن تحقيق الأرباح السهلة من عمليات التهريب أمر غير متوافر عندما كان سعر المازوت في لبنان 10 آلاف ليرة، أما كلفة التهريب في ظل أسعار المازوت اليوم فتسبب خسائر كبيرة ولا يمكن الإقدام عليها. «لا بل من الأنسب والأجدى بيع المازوت في السوق السوداء المحلية. أمس فقط، بلغ سعر الصفيحة 30 ألفاً، بينما كانت في الأيام الماضية تباع بنحو 24 ألف ليرة، أي أن الفرق بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء يبلغ 7700 ليرة للصفيحة الواحدة متضمناً كلفة النقل!».

ويضاف إلى هذه العوامل مسألة أساسية برزت في الشهرين الماضيين: تقلّص إنتاج معامل الكهرباء في لبنان إلى حدود تغطية ما بين ساعتين وأربع ساعات يومياً فقط. أي أن الطلب على المازوت من مولدات الأحياء بات كبيراً جداً لأن أصحابها صاروا يشغّلون مولّداتهم بين 20 ساعة و22 ساعة يومياً في الحد الأقصى. هم مجبرون على تشغيل الحدّ الأقصى لأن معظم المشتركين انتقلوا من نظام الاشتراك المقطوع إلى نظام الاشتراك على العدادات. التشغيل هو الطريقة الوحيدة لتوليد الأرباح بالنسبة إلى المولّد. الطلب الإضافي من المولدات عوّض أي نقص استهلاكي سبّبته كورونا.

 

استيراد المازوت إلى لبنان في أول ستة أشهر تراجع قليلاً، بينما زاد الطلب الاستهلاكي من المولّدات

 

 

هناك تكمن المسألة الأساسية: لماذا عمدت كهرباء لبنان إلى هذا التقنين القاسي؟ عملياً، جاء هذا التقتين بسبب انكشاف عصابة الفيول المغشوش وتوقيف عدد كبير من أعضائها. بمعزل عن أسمائهم المعروفة، لكن هذه العصابة كانت تسيطر على استيراد الفيول وبيعه لمؤسسة كهرباء لبنان لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء. أفراد هذه العصابة هم تجّار يعملون وسطاء مع شركة سوناطراك الجزائرية التي وقّع لبنان معها عقداً من دولة لدولة لاستيراد الفيول. وهؤلاء التجّار لديهم ميول سياسية، ولديهم أزلام وشركاء سابقون، ومنافسون، ولديهم أيضاً طموحات محلية ودولية في سوق النفط وفي مجالات أخرى. ففي تلك اللحظة التي انكشفت فيها العصابة وباتت أسماؤهم معروفة للجميع، انطلق عمل سياسي – مافيوي في اتجاه كيل الاتهامات لكل من يحاول استيراد المازوت إلى لبنان لتغطية الطلب السوقي. كأن المقصود نشر شائعة عن مدى الأضرار التي ستلحق بالسوق إذا بقي أفراد العصابة قيد التوقيف وقيد الإدانة. ولم تتوقف هذه الحملة عند هذا الحدّ، بل تشابكت مصالح العصابة مع قوى بعض أهل السلطة الساعين إلى إسقاط الحكومة وتأليب الناس عليها. وبمعزل عن تقييم هذه الحكومة وعملها، إلا أن الشركات المستوردة للنفط اشتركت أيضاً في توجيه الاتهامات لشركة منافسة استوردت المازوت لتغطية الطلب. لكل منهم مآرب وأهداف دفعتهم إلى الهجوم على شركة واحدة لنهش حصّتها السوقية. إذا تمكنوا من تحفيز الأميركيين (وزارة الخزانة الأميركية) لوضع هذه الشركة بأصولها وفروعها في لبنان والخارج على لائحة «أوفاك» أو بغطاء أي من القوانين السارية ضدّ سوريا مثل قانونَي قيصر وماغنيتسكي، فسيتاح لهم توسيع سوق المبيعات المحلية. ثمة لاعبون ذوو أصول سياسية في هذا القطاع من الشمال إلى الجنوب، فالجبل. هؤلاء هم رأس العصابة التي يجب توقيفها وزجّها في السجن.