IMLebanon

التشكيلات الدبلوماسية ما لها وما عليها

 

بداية نذكر أن وزارة الخارجية والمغتربين تعاني من خلل أو عيب جوهري بسبب عدم تقيّدها بالأصول الواجب اتباعها في إقرار التشكيلات الدبلوماسية وذلك خلافاً لما يجري في الدول العريقة. وفي كثير من الأحيان لم تحترم المهل القانونية والوقت المناسب لإصدارها ممّا أدّى إلى استمرار الدبلوماسيين في مراكزهم سواء كان في الخارج أم في الإدارة المركزية من دون مسوّغ قانوني متخطّين بذلك مدّة خدمتهم المنصوص عليها في نظام وزارة الخارجية والمغتربين.

ونذكر هنا أن القانون المنفّذ بالمرسوم رقم 1306 تاريخ 18/6/1971 المعروف بنظام وزارة الخارجية والمغتربين قد نصّ على أن المدّة القصوى للبقاء في الخارج هي عشر سنوات لموظفي الفئة الأولى من السفراء وسبع سنوات لموظفي الفئة الثانية والثالثة أي المستشار والقنصل. كما نصّت على أن يقضي الموظف الدبلوماسي أو القنصلي في الإدارة المركزية مدّة سنتين على الأقل. وتجدر الإشارة إلى أنه غالباً ما يتوسّل الدبلوماسي أمام الحكام والزعماء السياسيين وغيرهم من أجل تأخير رجوعه إلى الإدارة أو من أجل تسريع نقله إلى الخارج وتعود أسباب نشوء هذه الظاهرة إلى تقصير وزارة الخارجية والحكومة في القيام بدورها وواجباتها في التوقيت المناسب وفقاً للشروط القانونية المطلوبة.

ولقد سمعنا حديثاً خبر موافقة مجلس الوزراء على تمديد سن تقاعد الدبلوماسيين، ولئن كنّا مبدئياً نوافق على ملائمة هذا التمديد مراعاة للزملاء الدبلوماسيين لكننا نُبدي الملاحظات الآتية:

• لقد جرت محاولات عديدة في الماضي لا تقلّ عن عشر مرّات لتمديد سن تقاعد الدبلوماسيين لكنها باءت كلّها بالفشل، ولقد تذرّع الحكام بأن موظفي السلك الدبلوماسي خاضعون لقانون الموظفين العام ولا يجوز تمييزهم عن غيرهم من الموظفين الإداريين وذلك عملاً بمبدأ المساواة بينهم إذ لا يجوز للقانون أن يفرّق بين أشخاص القانون sujets de droit.

وهنا تجب الملاحظة إلى أن السيد رئيس البرلمان ونقلاً عن السفراء المقرّبين منه لم يكن مرحّباً بالماضي بالسير بأي مشروع أو اقتراح لتمديد سن تقاعد الدبلوماسيين. ونشير في هذا الإطار إلى أنه في حال أقرّ مجلس النواب مشروع التمديد للدبلوماسيين فإن ذلك سيفتح حتماً شهيّة الموظفين الإداريين إلى طلب تمديد سنّ تقاعدهم عملاً بمبدأ المساواة بين موظفي القطاع العام.

• ومن حقّنا أن نتساءل ما الذي حدا اليوم بالحكّام، وبسْحرِ ساحرٍ، إلى إقرار مشروع التمديد هذا في مجلس الوزراء. فالواضح لدينا أنه قد جرى توافق أو وحدة في المصالح بين أركان الحكم، عنينا بهم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء ونرى أنّه لولا موافقة رئيس مجلس النواب على هذا المشروع لما تمّ السير به في مجلس الوزراء، وهكذا سيحال إلى مجلس النواب للمصادقة عليه ليصبح نافذاً. وحيث أننا نشكّ بوجود مصالح شخصية تقف خلف موافقة مجلس الوزراء على المشروع المذكور أعلاه فإننا نتوقّع، وقد نكون مخطئين، وجود هذه المصالح لدى أعضاء مجلس النواب عند المصادقة عليه وتمريره. وفي هذا السياق استذكر ما ورد في كتاب الراديكالية السياسية للدكتور خير الله غانم حيث ذكر ونقلاً عن أحد النواب بأنه « نادراً ما اقترح نائب قانوناً، أو تعديلاً لقانون إلّا وقد وقفت وراء هذا المشروع مصالح شخصية»، وما ينطبق على السادة النواب قد ينطبق أيضاً على الوزراء عند الموافقة على مشاريع القوانين. ومهما يكن من أمر فإن معرفة من هم وراء هذا المشروع لا تخفى علينا وإن كنّا نعرفهم لكننا نرحّب بإقراره وذلك حرصاً على مصالح زملائنا الدبلوماسيين.

• ما هو دور مجلس الخدمة المدنية في التشكيلات الدبلوماسية؟

عندما يطلب وزير الخارجية والمغتربين من اللجنة الإدارية برئاسة الأمين العام وعضوية مدير الشؤون السياسية والقنصلية ومدير الشؤون الإدارية والمالية تحضير مشروع التشكيلات الدبلوماسية درج العرف على عرض مشروع التشكيلات المتعلقة بالسفراء أو المستشارين بلقب سفير على مجلس الوزراء لإقراره. وبعد صدور القرار تؤخذ موافقات الدول وتُنظّم مشاريع المراسيم المتعلّقة بكل سفير وترسل إلى مجلس الخدمة المدنية.

وهنا نعلّق قائلين بأن رقابة مجلس الخدمة المدنية أضحت رقابة لاحقة وليست مسبقة وهي شكلية إلى حدٍّ ما تتعلّق بالمرسوم ومندرجاته. فهل من الجائز منطقياً أن يعطي مجلس الخدمة رأيه في قانونية التعيينات والتثبّت من كفاءتهم المسلكية ومن حقّهم في التدرج والترقية والترفيع بعد تنظيم مشاريع المراسيم وذلك دون الركون أو الإستناد إلى ملاحظاته. (المادة 14 من قانون تنظيم مجلس الخدمة المدنية).

• من يتدخّل في مشروع التشكيلات الدبلوماسية؟

لا يختلف اثنان على أن التشكيلات الدبلوماسية هي من صلب صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية والمغتربين وكذلك يلعب الوزراء كافة دوراً في إبداء رأيهم سلباً أم إيجابياً وعلى أن يقرّها مجلس الوزراء بأكثرية ثلثي عدد أعضائه بالنسبة للسفراء. هذا هو المبدأ لكن نرى أن الواقع يشير ويبيّن أن «طهاة» التشكيلات كُثُر، فمن هم؟

لا شك أن رئيس مجلس النواب يلعب دوراً بارزاً في هذا المجال إضافة إلى رؤساء الطوائف الدينية ورؤساء الأحزاب السياسية ولا ننسى تدخّل الصداقات النافذة والقريبة من الحكام. وإن درجة تأثير هذه التدخلات تختلف وفقاً لمدى قوّتها، فالطوائف والأحزاب الصغيرة غير مسموعة كلمتها خلافاً لصوت وكلمة الطوائف والأحزاب الكبيرة.

• ما هي المراكز الدبلوماسية التي تتمتّع بخصوصيّة معيّنة؟

سرت أقاويل تفيد أن بعض المراكز الدبلوماسية تتمايز بخصوصية معيّنة مثل الفاتيكان وواشنطن والسعودية وإيران على سبيل المثال لا الحصر. وهنا نطرح السؤال ونحن في عصر العولمة والانفتاح والإيجابية والتعاون والتآخي، لماذا نثق بسفير ينتمي إلى طائفة معيّنة لتعيينه في سفارة محدّدة ولا نثق بغيره من طائفة أخرى. أن تصرّفاً كهذا لا يُعمّق أبداً التعاون والتضامن الوطني بل يزيد من عمق الهوّة بين اللبنانيين لجهة عدم ثقتهم ببعضهم البعض، كما يدعو إلى الشك بوطنيتهم. واستطراداً نذكر ختاماً أن عيباً خفيّاً يشوب وزارة الخارجية وهي ظاهرة عدم الثقة بين الدبلوماسيين العاملين في البعثات الدبلوماسية وتحديداً بين السفير والقنصل إذا انتميا إلى طائفتين مختلفتين، فيخفى أحدهم معلومات سياسية وسريّة عن الآخر كما يسرّب بعضهم هذا المعلومات والتقارير إلى مراجعهم السياسية قبل إرسالها إلى الوزارة. وهكذا نشهد أيضاً على غياب عنصر الصدق والشفافيّة في التعاون والمشاركة في المعلومات بين أعضاء البعثة الدبلوماسية الواحدة.

* دكتور في القانون العام