IMLebanon

مصادر ديـبــلوماسيّة : عــلـى لـبــنــان والــلاجئين الــفلسطينـيـيـن الــتمسّك بـــالــعودة أمــــام بـومبيو

 

يُشكّل توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ودول الجوار الهاجس الأكبر للولايات المتحدة الأميركية من إبقاء النازحين السوريين فيه، لأنّ القضية الفلسطينية وتداعياتها هي أكثر ما يؤثّر سلباً على حليفتها إسرائيل في المنطقة. ولهذا قام الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ وطأة قدماه البيت الأبيض بسلسلة إجراءات لتأييد شرعية العدو الاسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلّة، ولتهويد مدينة القدس من خلال خطوة نقل السفارة الأميركية من تلّ أبيب اليها كعاصمة لإسرائيل، وحذف اللغة العربية من اللغات الرسمية للبلاد، كما لإسقاط حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم من خلال وقف المساعدات الأميركية للأونروا (أي لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) التي تُعنى بشؤونهم، وصولاً الى التحايل الأخير بحذف عبارة «احتلال» عن وجودها في الجولان والضفّة الغربية واستبدالها بعبارة «سيطرة» في التقارير الدولية.

 

وثمّة خطوات أخرى ينوي ترامب اتخاذها بهدف جعل إسرائيل دولة قوية في المنطقة، لا يُمكن لأحد تهديدها أو تهديد وجودها، ولا حتى إيران، على ما أكّدت مصادر ديبلوماسية، تطال المنطقة الجنوبية في لبنان. فإسرائيل لا تتقيّد بالقرارات الدولية ولا سيما منها القرار 1701 الذي يُطالبها بالإنسحاب الفوري من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، كما أنّها تستمرّ في التعدّي على المنطقة الإقتصادية الخالصة للبنان، وتسعى لمنافسته في قطاع النفط والغاز، وقطع الطريق أمام تصريفه لثروته الطبيعية البحرية، حتى قبل أن يبدأ «تحالف الشركات» الذي لزّمه استخراجهما عمله، وذلك من خلال تصديرها للغاز والبترول عبر الأنانيب الى الدول الأوروبية، الأمر الذي لا يُمكن للبنان القيام به نظراً لكلفته الباهظة.

 

كما يُشكّل الجدار الإسمنتي الفاصل الذي يُركّبه العدو الإسرائيلي على الحدود اللبنانية الجنوبية، عاملاً إضافياً لطمأنته في حماية أمن مستوطناته، إذ لا يتمّ الإعتراض على تشييد هذا الجدار من الجانب اللبناني، إلاّ في حال جرى الإقتراب من النقاط المتنازع عليها بين الجانبين عند الخط الأزرق. وتُحاول الولايات المتحدة تأمين حماية أكبر له من خلال زيارة وزير خارجيتها مايك بومبيو الى الحالية الى لبنان والمنطقة، وإملاءاته حول ضرورة نزع سلاح حزب الله وتطبيع لبنان والدول العربية مع إسرائيل من أجل تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط.

 

ولكن أكّثر ما يضرّ بلبنان هو بقاء أو «توطين» اللاجئين الفلسطينيين فيه، على ما شدّدت المصادر، رغم وجودهم «الشرعي والمؤقّت» فيه والذي دام حتى الآن 71 عاماً. فمثل هذا الأمر يُشجّع النازحين السوريين على التمسّك بمبدأ «العودة الطوعية»، فيتخذون خيار «عدم العودة»، إذ لا شيء يُجبرهم عليها، ما دام المجتمع الدولي لم يتخذ أي قرار يدعو فيه جميع المهاجرين واللاجئين والنازحين في دول العالم للعودة الى بلدانهم، وذلك للتخفيف من أعباء النزوح واللجوء على الدول المضيفة، بل يقوم بمساعدتها مالياً لإبقائهم ودمج أكبر عدد ممكن فيها.

 

وإذ يُحاول البعض التخفيف من ثقل اللجوء الفلسطيني في لبنان، لا سيما بعد أن ضرب النزوح السوري الرقم القياسي فيه نسبة الى عدد سكّانه وصغر حجمه وضعف إمكاناته، تقول المصادر نفسها بأنّ العدد الفعلي للاجئين الفلسطينيين يصل الى نحو نصف مليون، وليس الى بضعة آلاف كما يُحاول البعض الترويج، بهدف إبقائهم أو «توطينهم» وفق مبدأ إنّهم «ما بيحرزوا». فاللاجئ الفلسطيني، بحسب وكالة الأونروا هو «كلّ شخص كان محلّ إقامته خلال الفترة ما بين 1 حزيران 1946، و15 أيّار 1948 في فلسطين، وقد خسر بيته ومورد رزقه نتيجة النزاع الذي اندلع في العام 1948». ويحمل هذا الشخص صفة «لاجىء» ويحقّ له التسجيل في الوكالة والإستفادة من الخدمات التي تقدّمها الى كلّ اللاجئين والمتحدّرين منهم».

 

وإذا كانت الإحصاءات تشير الى الرقم 220 ألف لاجىء فقط، فلا بدّ من ضربه بإثنين أو أكثر، على ما أوضحت المصادر، لأنّ ليس جميع اللاجئين الفلسطينيين المقيمين على الأراضي اللبنانية مسجّلين لدى «الأونروا»، أو يعيشون داخل المخيّمات. فوفق المعلومات، هناك 55.8 % من اللاجئين الفلسطينيين يعيشون في 12 مخيماً «شرعياً» موزّعين في جميع المناطق اللبنانية من بيروت الى صيدا وصور والبقاع والشمال، فضلاً عن 3 مخيمات غير معترف بها رسمياً في النبطية وتلّ الزعتر وجسر الباشا، وقد تعرّضت للدمار الكامل خلال الحرب والقصف الجوّي الإسرائيلي عليها. في حين أنّ 15 % منهم يعيشون في تجمّعات قريبة من المخيّمات، لا تقوم الأونروا بإحصاء عدد المقيمين فيها. أمّا النسبة الباقية أي 29.2 % من اللاجئين الفلسطينيين، فقد دمجت نفسها في المجتمع اللبناني من دون انتظار إشارة من أي جهة، حتى وإن كانت لم تحصل حتى الآن على الجنسية اللبنانية.

 

وتقول المصادر، بأنّ واقع المخيّمات والفقر الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون فيها، فضلاً عن عدم الإستقرار الأمني نظراً لوجود السلاح غير الشرعي في أيدي الفصائل الفلسطينية المتنازعة، لا يُشجّعهم على البقاء فيها، ولهذا يتمسّك العديد منهم بحقّ العودة، وإن كانوا قد وُلدوا على الأراضي اللبنانية، إلاّ أنّهم سمعوا من الجيل القديم حكاية النكبة والهجرة والمعاناة. غير أنّ ما تقوم به الولايات المتحدة بحقّهم، لا يُبشّرهم بالخير بأنّهم سيعودون يوماً ما الى ديارهم، على ما يقولون، خصوصاً بعد القرار الأميركي بوقف المساعدات المالية التي تقدّمها سنوياً للأونروا، ومحاولتها وقف التمويل ككلّ من قبل الدول المانحة الأخرى، إلاّ أنّها لم تُفلح إذ ضاعفت بعض الدول الأوروبية من قيمة مساعداتها حفاظاً على عمل ومهام الوكالة تجاه اللاجئين الفلسطينيين.

 

بدأت الولايات المتحدة إذاَ تحضير الأرض تضيف المصادر، وتماشت معها السعودية التي رفضت في أيلول الماضي، التعامل مع حملة وثيقة السفر الفلسطينية، مشترطة حصولهم على جواز سفر من السلطة الفلسطينية قبل منحهم التأشيرة، في إجراء يندرج ضمن سياستها في تشديد القيود على الفلسطينيين. وكلّ ذلك، على ما لفتت المصادر، بهدف تنفيذ «صفقة القرن» وتصفية حقّ اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى ديارهم، و«مسامحة» العدو الاسرائيلي بالتالي في مسألة دفع التعويضات لهم. غير أنّ تمسّك لبنان بمبدأ رفض التوطين انطلاقاً ممّا ينصّ عليه الدستور اللبناني أولاً، وصولاً الى قرار الحكومة الحالية بإعادة جميع اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، ورفض الشعب اللبناني بالتالي منح الجنسية اللبنانية للغرباء على أرضه، على ما أشارت المصادر، خصوصاً أمام الضيف الأميركي المنتظر بومبيو، فضلاً عن تمسّك اللاجئين أنفسهم به، يُبقي تصفية حقّ العودة أمراً مستحيلاً، لا يُمكن للولايات المتحدة أن تُقرّره بمفردها، مختصرة الأمم المتحدة ككلّ، وضاربة عرض الحائط بقراراتها ذات الصلة. ولا بدّ بالتالي من وضع استراتيجية لبنانية- فلسطينية مشتركة لمواجهة تداعيات «صفقة القرن» على المخيمات الفلسطينية في لبنان.

 

وأكثر ما تخشاه المصادر، مع رفض لبنان لمبدأ «توطين اللاجئين الفلسطينيين» على أرضه جملة وتفصيلاً، هو أن يُصار، على ما كشفت، الى إشعال النزاعات الدموية داخل المخيّمات الفلسطينية، ولا سيما منها مخيّمي عين الحلوة والمية ومية، بهدف تهجير جزء كبير من اللاجئين الفلسطينيين وشطب القضية الفلسطينية وحقّ العودة، وذلك تنفيذاً لـ «صفقة القرن». وتفيد المعلومات بأنّ ثمّة مجموعات صغيرة مشبوهة موجودة داخل بعض هذه المخيمات، تقوم بعرض الأسلحة والبنادق للإيجار وبأسعارٍ زهيدة بهدف تغذية مخطط الإشتباكات والتهجير بين المجموعات المسلّحة المقيمة فيها، وبعض الخارجين عن القانون. ولهذا يجب عدم الإنجرار الى أي مواجهات أمنية داخل المخيمات، لأنّ هذه الأخيرة لا تخدم سوى المشروع الأميركي الهادف الى توطين اللاجئين في الدول المضيفة، وتهجير جزء آخر منهم.