IMLebanon

تعطيل الرئاسة.. نهاية الموارنة

»اسم الموارنة يرجع إلى اسم القدّيس مارون، المتوفَّى حوالى 410. أما القدّيس مارون، شفيع كنيستنا التي تُعيِّد له في التاسع من شباط، فقد ابتكر طريقةً نسكيّةً فريدةً من نوعها على جبل قورش في سوريا الأولى، قوامها العيش في العراء» [المجمع البطريركي الماروني، في هوية الكنيسة المارونية، مادة عدد 6].

العيش في العراء، هذا هو الوصف الذي ينطبق على لبنان اليوم في ذكرى شفيع الموارنة والمؤسس لكنيستهم التي استطاعت أن تشكّل صخرة قيامة لبنان، لم يفاجئنا بالأمس تعطيل جلسة انتخاب جديدة لرئيس جمهورية لبناني ماروني بكلّ ما يعنيه هذا الامتياز للبنان وللموارنة ولمسيحييه ولمسلميه وللعالم العربي، «لا رئيس ولا رئاسة»، ولا موارنة أيضاً يجتمعون على قلب رجلٍ واحد لإنقاذ آخر معاقل الوجود المسيحي في الشرق!!

»العيش في العراء»، مع أنّ للكنيسة المارونية بطريركية وبطريركاً وكهنوت ورهبان، غادروا الوادي المقدّس في قنوبين حيث استعصوا على عتاة الاحتلالات وهزموا الطغاة بفقرهم وشظف العيش وعدم التمسّك بالدنيويات، لا يشبة موارنة اليوم موارنة مار مارون، الزهد والنساك الذين اكتسبوا صلابة الصخر وعمق الوديان وشموخ الجبال والفكر المستنير الذي حفظ اللغة العربية ونقّاها وألفّ فيها المعاجم وسطّر الأدب والشّعر، في أحلك أيام عنصرية «تركيا الفتاة»، وهم بكامل وعيهم أنّها لغة القرآن والعرب، ليس هؤلاء كأولئك، إلا من رحم الله منهم فأدركوا أنّهم وإن تمظهروا بصورة الزمن الحاضر في السياسة والقيادة فإنّ بواطنهم عليها أن تحافظ على صلابة يقين وعزم أولئك الأوائل…

هذا كلام، قد يجده البعض مستغرباً من مواطنة لبنانية عربية مسلمة، ولكن لا أكون منصفة إن لم أُشِر إلى أنّ عصريْ النهضة الأولى والثانية التي خرج بها العرب من عصر الانحطاط «المملوكي والعثماني» الذي تبع حريق مكتبة بغداد على يد التتار المغول، الذين وصفوا دائماً بالهمجية، ومع هذا فإنّ مجرد تفكيرهم في حريق مكتبة بغداد يشي بذكائهم الحاد لتدمير أمة العرب والمسلمين، ومن عظيم فضل المسيحيين في عصور الخلافة العربية، وعظيم فضل موارنة لبنان على العرب حفظ لغتهم وإعادة بعث الشعر والآداب العربية وتحبير المجلدات فيها، هذا فرق بائن بين من يدرك كيفية تدمير أمّة وبين من يحميها ويبعث فكرها من جديد.

»الناسك مارون اعتزل على قمة جبل في المنطقة القورشيّة شمالي غربي مدينة حلب وكرّس على قمة هذا الجبل، معبدًا وثنيًا مهجورًا، ككنيسة يقوم فيها بتأدية شعائر العبادة، أما هو فقد عاش تحت جو السماء من دون سقف سوى خيمة صغيرة لم يكن يستظل بها إلا نادراً»، موارنة لبنان اليوم يعيشون تحت سقوف كثيرة وأحياناً مستعارة، وفي الدور وربما في القصور، لكن لا خيمة تحمي لبنان تحت سقف منصبهم الأسمى «رئاسة الجمهوريّة»، كلّنا في العراء اليوم، أخذنا حزب الله إلى التّركيع والترهيب ونفي الهويّة وتدمير الكيان، وما أعلنت مصالحة بعد سنوات عداء وحرب طاحنة، حتى تشوّف موارنة آخرون للتزعّم والتعطيل والتريّس ووضع الدّبش في طريق العربة، كلّنا في العراء لأنّ الموارنة يكابشون بعضهم فيما الطوائف الكبرى الأخرى تتمنى لو تظلّ متحكمة بانقسامهم، تارة يكذبون عليهم ويقولون لهم هذا شأن مسيحيّ اتفقوا فيما بينكم على الرئاسة ونحن معكم، مراهنين على استحالة اتفاقهم، وإذا ما اتفقوا قالوا لهم الرئاسة ليست شأناً مسيحياً بل هي شأن لبناني!!

هذا الزمن المسيحي السياسي الرديء يكاد يودي بلبنان كلّه، بمسلميه ومسيحييه، كأنّه قدرٌ أن يخرج الموارنة ولبنان معهم من احتلال إلى آخر، من مؤامرة تغيير وتزييف هوية إلى أخرى.

للأسف قد لا يعرف الكثير من الموارنة اليوم مدى ارتباط مار مارون الذي يحتفلون بذكراه اليوم بتاريخ 14 شباط، بكلّ ما يعنيه هذا اليوم الذي تحلّ ذكراه بعد أيام، فيعاود اللبنانيين حزن الذكرى الحادية عشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، هل التاريخ مجرد إشارة عابرة، أظنّه أكثر من ذلك بكثير… «بشكل عام، اعتادت الكنيسة أن تقيم تذكار قديسيها يوم وفاتهم، أو وفق المعنى الكنسي، يوم ولادتهم في السماء، إلا إذا تضاربت ذكرى وفاة هؤلاء مع أعياد كنسيّة هامة، فتقيم ذكراهم في يوم تلقيهم رسامتهم الكهنوتيّة أو الرهبانية، لذلك فإنّ العيد الأول للقديس مارون، وهو في 14 شباط، والذي لا يزال معتمدًا حتى اليوم في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وسائر الكنائس التي تبجله، قد يكون يوم وفاته أو يوم رسامته الكهنوتيّة، ومن المحتمل أن يكون الموارنة حتى القرن السابع قد اتخذوا من 14 شباط عيدً وذكرى للقديس مارون.

يذكر المطران يوسف الدبس، أنّ مار يوحنا مارون، عندما انتقل إلى لبنان في الهزيع الأخير للقرن السابع، نقل معه هامة القديس مارون، ووصل إلى البترون في 5 كانون الأول فشرع الموارنة بالاحتفال بعيد القديس مارون في ذلك اليوم. حسب التقليد الماروني أيضًا، فإنّه عند وفاة مار يوحنا مارون شرع الموارنة بالاحتفال بذكراه في 9 شباط، وهو تاريخ تدشين الكنيسة والدّير الذي شيّده في كفر حي لدى وصوله إليها، ومن ثم دمجت الكنيسة بين عيدي القديسيْن في يوم واحد هو 9 شباط، كما يظهر في الكتب الليتورجية المارونية. لاحقًا في القرن الثامن عشر نقلت البطريركية المارونية عيد مار يوحنا مارون إلى 2 آذار، وهو ما اعتبر بحسب التقليد الماروني تاريخ وفاته، وإبقاء تاريخ 9 شباط لتذكار مار مارون وحده، وهو ما يزال متبعًا حتى اليوم»، وما بين 14 و 5 و9 شباط، يبقى أنّنا إذا جمعنا الرقمين 9 مع 5 سنحصل أيضاً على التاريخ الأول للاحتفال بذكرى القديس مارون 14 شباط، أيُّ نُذُرٍ تكتنف سرّ هذا الرّقم وما يمثله في تاريخ لبنان الحديث على لبنان الهويّة والكيان وعلى الموارنة والمسيحيين قبل المسلمين، منذ خرج رجلٌ وقال:»وقّفنا العدّ»، ثمّة من يُريد أن يُعيدنا إلى دائرة منذ خرج علينا بنظرية أعداد الحشود في ذكرى 14 آذار بالمتر المربع، هل هناك من يذكر اليوم عندما شرح لنا حسن نصر الله هذه النظريّة؟!!