ربما اعتبر كثير من اللبنانيين أنّ الإنذار الذي أطلقه رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع بأنّ “العالم قد يتخلى عن لبنان خلال أشهر قليلة إذا لم تثبت الدولة فاعليتها” يأتي في إطار التصعيد المحلّي الذي يعتمده رئيس “القوات” في إطار المواجهة السياسية مع “حزب اللّه” وسلاحه، لكنّ التدقيق في أبعاده يكشف وصول سلسلة من التحذيرات الشديدة اللهجة التي بدأت مواقع القرار في لبنان تتلقاها وتجمع على أنّ الوقت ليس مفتوحاً للاستجابة لمتطلبات الإصلاح وحسم حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، وليس لدى لبنان فسحة زمنية واسعة لحوار “يتدلّل” فيه “حزب اللّه” على الدولة ويملي شروطه عليها، فهذا المسار يهدِّد باستمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان، كما أنّ العجز عن إطلاق الإصلاح بات يهدِّد بإعلان يأس المجتمع الدولي من لبنان.
تؤكِّد حصيلة لقاءات واتصالات المسؤولين الأوروبيين والأميركيين مع مختلف المواقع اللبنانية السياسية والاقتصادية أنّ أمام لبنان ما بين ثلاثة وأربعة أشهر كحدّ أقصى لتقديم خطوات جادّة في موضوع السلاح غير الشرعي والإصلاحيات لضمان “إعادة تأهيل” الدولة وهذا في الواقع القضية الأهم التي يجب على الحكومة الاهتمام بها.
يفتقر لبنان إلى القدرة المالية لتمويل إعادة التأهيل، ويحتاج إلى مساعدات دولية بمليارات الدولارات من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والدول العربية، والمساعدات الدولية مشروطة بقضيتين رئيسيتين:
أ. تعزيز الإصلاحات الاقتصادية لإعادة تأهيل الاقتصاد، كما أكد الرئيس نواف سلام والحاكم الجديد لمصرف لبنان كريم سعيد. وفي هذا الإطار لا بدّ من الاعتراف بوجود عقبات عميقة للغاية بسبب استشراء الفساد الهائل في مرافق الدولة، ومنها مطار رفيق الحريري الدولي ومرفآ بيروت وطرابلس، وقد اكتشف وزير الأشغال العامة والنقل فايز رسامني أنّ الوضع في المطار يحتاج إلى رسم خريطة كاملة للوظائف بسبب ما لمسه من حجم الفساد المستشري منذ عقود، وهو ما سيعمل عليه في الأيام القليلة المقبلة، لكنّ خطوات رسامني لا يمكن أن تكون مجدية إذا لم تأتِ في إطار خطة شاملة وقرار صارم بالمضيّ السريع بالإصلاحات، فالمشهد الحكومي شديد البطء في التعامل مع التحدّيات.
كذلك، فإنّ تفكيك سلاح “حزب اللّه” كقضية جوهرية يجب معالجتها، كما نقلها وزير الخارجية يوسف رجّي ويجب أن تنتهي عمليات الابتزاز التي يمارسها الثنائي الشيعي ومنها تصريح الرئيس نبيه بري الذي قال فيه: “لن نسلّم السّلاح قبل تنفيذ الشّروط المطلوبة من العدوّ. سلاحنا هو أوراقنا الّتي لن نتخلّى عنها بلا تطبيق فعليّ لاتّفاق وقف النّار والذّهاب إلى حوار في مصيره”، فهذا كلام واضح يلتقي مع مواقف “حزب اللّه” في المماطلة وشراء الوقت، وهذا يهدِّد بوصول الأمور إلى حائط مسدود، فيُعرِض المجتمع الدولي عنا ولا يعود مهتماً بنا في ظلّ التحوّلات الدولية الهائلة.
لن تُحوّل أموال المساعدات الدولية طالما أن إيران تسيطر على الاقتصاد اللبناني باستخدام المصارف الموازية والمؤسسات غير الخاضعة للرقابة، في انتهاك لتقرير مجموعة العمل المالي، وفي الوقت نفسه تدعم “حزب اللّه”، الذي يُكافح ضد الدولة ولا يزال ما تبقّى من سلاحه يشكل خطراً على مصير لبنان، ونزعه خطوة إلزامية للحصول على المساعدة، وعليه فإنّ على الحكومة اللبنانية أن تقرّر، إذا كانت تتجه نحو مستقبل جديد، أن تتعاون مع المجتمعين الدولي والعربي الراغبين في مساعدة الشعب اللبناني، فلا يمكن إعادة تأهيل لبنان بوجود جيشين: الجيش الشرعي للدولة اللبنانية من جهة، وفرع من الجيش الإيراني، المموّل من أموال الإرهاب الإيراني، والذي لا يمكن للحكومة السيطرة عليه من جهة أخرى. البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يدركان هذا الأمر جيداً. وقد حان الوقت الآن للحكومة اللبنانية أن تدركه أيضاً وتعمل على هذا الأساس.