IMLebanon

النازحون يتدفّقون مجدداً… وبتواطؤ دولي!

حصل ما كان متوقعاً. والتدابير المُتّخذة على المعابر لمنع فوضى النزوح السوري تتلاشى. ودخل قرابة الـ50 ألف سوري إلى لبنان بين أيلول ونيسان، أي بمعدل 7 آلاف شهرياً. فكيف دخل هؤلاء، ومَن يقوم بإحصاء الداخلين الجدد ورَصدهم؟

في فترات الذروة، كان يَتدفّق إلى لبنان ما بين 30 ألفاً و50 ألفاً شهرياً. ولكن، في الأشهر القليلة السابقة للقرار الرسمي اللبناني، تراجَع المنسوب إلى ما دون الـ1000 سوري يومياً. ولم يكن ذلك ناجماً عن تراجع الحماس لدى السوريين للدخول، بل بسبب التردّي الأمني والسياسي والاقتصادي في لبنان.

ومع نهاية العام 2014، إتخذ الأمن العام اللبناني تدابير صارمة لضبط الفوضى على المعابر. وأعلن وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، آنذاك، أنّ التدفّق بات في حدود الصفر. وبعد ذلك، ساد الصمت. فلم يَعد أحد يعرف بما يجري… إلى أن وقعت المشادّة في مجلس الوزراء، قبل أيام، بين الوزيرين درباس وجبران باسيل. وفوجئ الجميع بما كشفه باسيل: 50 ألف سوري دخلوا منذ أيلول.

وللمقارنة، هؤلاء الداخلون في الأشهر السبعة «العجاف» يفوقون بحجمهم أيّ بلدة لبنانية كبيرة. فعرسال «الأصلية» كانت تضمّ 40 ألف لبناني فقط، قبل أن تتضَخّم سوريّاً لتحتضن 90 ألفاً.

ولم يعلِّق أحد على تأكيد وزير الخارجية وجود مخطط لتوطين السوريين في لبنان، مع التحذير من فَرض نصوص عليه تُحوِّل النازحين لاجئين، وقوله إنّ مفاعيل القرار بضبط الدخول قد تلاشَت، وإنّ أعداد النازحين عادت ترتفع وتسجِّلها المنظمات الدولية، خلافاً للقرار اللبناني.

وهذه الفضيحة أكّدها درباس، إذ كشف أنّ مفوضية اللاجئين تخطّت قرار لبنان، وسجّلت 5600 لاجئ دخلوا بعد إغلاق الحدود في 5 كانون الثاني. فمنذ ذلك الحين، جرى تسجيل 37 ألفاً. وهناك نحو 30 ألفاً كانوا في لبنان قبل إقفال الحدود. وهؤلاء تقدّموا بطلبات الى المفوضية، وهي موضع درس.

ويتهم درباس المفوضية بارتكاب خطأ كبير «لا نقبل به». وهو كتبَ إليها مذكّرة يقول فيها: «أنتم سَهَّلتم على هؤلاء خداع الدولة». وطلب شَطب أسمائهم. لكنّ درباس كان قد نفى، بعد مؤتمر اللاجئين في برلين، الخريف الفائت، وجود ضغوط دولية على لبنان كي يوقِّع اتفاقية جنيف للاجئين 1951، التي تفتح الباب لتوطين هادئ للاجئين، برعاية دولية.

ومعلوم أنّ الإعتراف بالاتفاقية كان وارداً في مسوَّدة البيان الختامي للمؤتمر، ولكنه حُذِف بسبب الاعتراض اللبناني. لكنّ النيّات الدولية تبقى موضع شكوك.

ففي الشهر الفائت، أعلنت ممثلة المفوضية نينت كيلي أنّ الضغط الديمغرافي على لبنان كبير، وقالت: «كأننا أدخلنا سكان بلجيكا وليتوانيا معاً إلى فرنسا (…) ولا أستطيع التفكير ببلد واحد تعرّض لهذه الحالة على مدى التاريخ»!

ولكن، كل ما تستطيعه المفوضية، تضيف كيلي، هو إعادة توطين 100 ألف سوري في دول أخرى… ضمن برنامج يستمرّ حتى العام 2016. وإذ تجَنَّبت المسؤولة إدانة دول أوروبية رفضَت استقبال أي لاجئ سوري، «تمَرجَلت» على لبنان بالقول: «سنحافظ على وعدنا بعدم إجبار أيّ لاجئ على العودة من لبنان إلى سوريا».

وإذ بَدت «السيدة الدولية» مطمئنة إلى تراجع التدفّق إلى لبنان إلى حدود 80%، أي يبقى 1 على 5، فهذا يعني أنّ الأزمة تتفاقم، ولكنّ انفجارها قد يتأخّر… إذا صمد لبنان في تدابيره الضابطة نسبياً للمعابر. فإذا كان اللاجئون السوريون والفلسطينيون يقاربون اليوم الـ40 % من سكان لبنان، فإنّ وصولهم إلى الـ100%، أي الـ4 ملايين، هو مسألة وقتٍ يطول أو يَقصُر وفقاً لظروف لبنان وسوريا.

سيتفرَّج المجتمع الدولي على خراب الكيان اللبناني، ما دامت المسألة «حَايدة عن ظَهر» القوى الدولية الكبرى، وما دام اللعب بالديموغرافيا والجغرافيا في لبنان جزءاً من اللعب بهما في سائر الشرق الأوسط، وهو يُريح الكثيرين.

ومَرّة جديدة يجدر التذكير: ملف النازحين هو الأخطر في تاريخ لبنان وحاضره ومستقبله، أخطرُ من الفراغ الرئاسي والتشريع والاستحقاقات والأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية كلها. واللبنانيون منشغلون بأمور كثيرة، والمطلوب واحد.