IMLebanon

هل تُوقف لجنة الإدارة والعدل «شرعنة» الاغتصاب؟

إلغاء المادة 522 أمام مجلس النواب

هل تُوقف لجنة الإدارة والعدل «شرعنة» الاغتصاب؟

ليس اجتماع لجنة الإدارة والعدل النيابية غدا الأربعاء مجرد اجتماع عادي بالنسبة للأجندة المطلبية المدنية والنسوية في لبنان. في السادس من كانون الأول 2016، سيقول المشرّع اللبناني كلمته تجاه المطالبة بإلغاء المادة 522 من قانون العقوبات التي تسقط العقوبة عن المغتصب في حال عَقْدِ «زواج صحيح» مع ضحيته.

المادة نفسها التي تشكل اليوم مطلباً نسويا مدنياً أساسياً على طريق مكافحة العنف الجنسي ضد النساء في لبنان والآليات الرسمية المتاحة لحماية الضحايا، تشهد «مشادة» تشريعية ضمن اللجنة النيابية نفسها.

وعلمت «السفير» أن بعض نواب لجنة الادارة يطرحون تعديل المادة 522 لا إلغاءها لمصلحة التمييز بين المغتصَبات الضحايا على أساس العمر. فإذا كانت الضحية تحت عمر 15 سنة لا يُسقط الزواج العقوبة عن الجاني، وتسقط عنه في حال عقد الزواج على ضحية اتمت الـ 15 عاماً وما فوق.

وليس خافياً أن هذا التوجه يتناسب مع المنحى الديني وتوجه قوانين الأحوال الشخصية التي تسمح بتزويج القاصرات في أعمار من تسع سنوات وما فوق، وفق الطائفة التي تنتمي إليها القاصر. وبالتالي فإن الذهنية التشريعية، عند المطالبين بالتعديل وليس الإلغاء، ما زالت خاضعة للمعايير الدينية وعدم الخروج من تحت مظلة قوانين الأحوال الشخصية الدينية المعمول بها في البلاد.

وعليه، يبرز عشية بحث لجنة الإدارة والعدل النيابية في طلب المجتمع المدني واقتراح النائب إيلي كيروز إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات، التباين الكبير بين سقف مطالب المجتمع المدني في لبنان عامة والنسوي خاصة من جهة، والرؤية الرسمية لموضوع العنف الجنسي المرتكب بحق النساء والقاصرين/ات، وآليات الحماية المعتمدة من جهة أخرى.

إذ بينما يسعى المجتمع المدني إلى وضع قانون لتجريم التحرش الجنسي من أساسه ومنه التحرش في العمل والشارع والأماكن العامة وغيرها، ما زال القانون اللبناني يخلو من أي تعريف للعنف الجنسي بشكل عام، كما يسقط العقوبة عن المغتصِب في حال زواجه من ضحيته، برغم أن الاغتصاب هو أسوأ أنواع العنف الجنسي.

ويبرز التباين نفسه في ما تم من تشويه لتجريم الاغتصاب الزوجي في قانون العنف الأسري حيث عُدّلت المادة الثالثة من اقتراح القانون لتعاقب على الأذى الجسدي الناتج من الاغتصاب الزوجي وليس على فعل الاغتصاب بحد ذاته، بالإضافة إلى إقرار عقوبات هي أقرب إلى الشكلية منها إلى العقابية خصوصا مع إقرار إثبات التجريم بتقرير طبي يقول بتعطيل الزوجة المغتصَبة عشرة أيام نتيجة الاغتصاب، وهو من المستحيلات تقريباً.

تعديل زواج القاصرات

أما العنف الجنسي الأهم فترتكبه قوانين الأحوال الشخصية الدينية بتواطؤ رسمي من الدولة عبر السماح بتزويج القاصرات من عمر تسع سنوات وما فوق وفقاً لطائفة القاصر. وحتى اقتراح قانون تعديل زواج القاصرات الذي أعدته الهيئة الوطنية لشؤون المرأة وقدمه النائب غسان مخيبر، جاء ليراعي الأديان بنصه على إمكان تزويج القاصر في عمر معين بعد الحصول على موافقة قاضي الأحداث.

والمضحك المبكي في الموضوع أن هذا الشرط بحد ذاته يبرز تناقضاً تشريعيا في قلبه، إذ لمجرد طلب موافقة قاضي الأحداث فنحن نتحدث عن طفلة قاصر هي بأمس الحاجة إلى الحماية من تعرضها للخطر وليس للزواج الذي لا تفقه شيئا منه.

وعليه، وبرغم التقدم التشريعي الذي سجله لبنان إثر انفتاحه على المواثيق الدولية، ومنها تجريم البغاء في حالة الاتجار بالأشخاص والتعامل مع المرأة المُستغَلة كضحية وليس كمشارِكة في الجرم. وحيث ترجمت السلطات اللبنانية هذا المبدأ، الذي أقر مع قانون الاتجار بالأشخاص في العام 2011، للمرة الأولى خلال القبض على شبكة «شي موريس» للاتجار والتي تم استغلال 75 لاجئة سورية فيها وإرغامهن على ممارسة البغاء وعوملن قانونيا وقضائيا كضحايا.

ولكن ومع عدم وجود قانون خاص بالعاملات المهاجرات، ما زالت تلك الفئة عرضة للاستغلال الجنسي داخل المنازل، وهو ما أثبتته دراسات عدة تناولت اوضاعهن.

لتعديل المادة 522

اليوم يقود المجتمع المدني والنسوي في لبنان حملة لتنزيه القانون اللبناني من التمييز ضد النساء. ويرتكز النضال على ثلاث حملات يقودها كل من «التجمع النسائي الديموقراطي»، ومنظمة «أبعاد» و«الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة»، وتهدف إلى إلغاء المادة 522 الخاصة بالاغتصاب، وكذلك تأمين الحماية القانونية للنساء المعرضات للعنف الجنسي. وهو نضال مدعوم باقتراح النائب إيلي كيروز إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات وليس تعديلها.

اقتراح كيروز

يرى كيروز في الأسباب الموجِبة للإلغاء التي قدمها إلى رئاسة مجلس النواب أن «نص المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني ومن حيث انطباقه على حالات الاعتداء على المرأة بالقوة أو العنف أو بالحيلة والخداع إنما يتعلق بأفعال تشكل اعتداء جسيما على كرامة المرأة وسلامتها الجسدية والنفسية والمعنوية».

ويضيف: «لقد أتت المادة 522 لتعالج في الواقع مشكلة أهل المعتدى عليها وعائلتها وعشيرتها من حيث ما يعتبرونه هم مساسا بكرامتهم وشرفهم». ويعتبر أن «الزواج الصحيح بين المعتدي أو أحدهم عند تعددهم والمعتدَى عليها لا يشكل تعويضا أو حلا للضرر الجسيم الذي تتعرض له المرأة من جراء الاعتداء عليها، ما يساوي ضرب الاعتداء عليها بألف مرة بدلا من محو آثاره أو التخفيف من وطأته عليها». ويخلص الى المطالبة بإلغاء «نص المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني».

قوانين ذكورية

أما «التجمع النسائي الديموقراطي» فقد باشر حملته ببحث نفذته المحامية الباحثة الدكتورة ماري روز زلزل تحت عنوان «الحماية القانونية للنساء والفتيات من العنف الجنسي». وحددت زلزل القوانين المعنية بموضوع الحماية هي قانون العقوبات والقوانين اللاحقة التي أدخلت تعديلات عليه بالقوانين 422/2002 الخاص بحماية الأحداث المخالفين للقانون أو المعرضين للخطر، وبالقانون 293/2014 الخاص بحماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، بالإضافة إلى عدد من المواثيق والمعاهدات الدولية التي صادق عليها لبنان والتي أصبحت بعد تعديل الدستور إثر اتفاق الطائف جزءاً من أحكام القانون الداخلي نتيجة التزام الدولة تجسيد مبادئ هذه المواثيق والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في كل الحقول والمجالات بدون استثناء، وهي تطبق فعلياً أمام القضاء اللبناني.

وتشدد زلزل في بحثها على الخلفية الذكورية التي حكمت قانون العقوبات لدى وضعه، معتبرة أن «أسطع مثال هو في المادة 522 عقوبات وما ينجم عنها في فصل كامل من الجرائم التي يغلب عليها طابع الجرائم الجنسية التي ترتكب ضد الفتيات والنساء والقاصرين والقاصرات عامة، هو الفصل المتعلق بالاعتداء على العرض، وتتراوح الجرائم بين الاغتصاب وارتكاب الفحشاء والخطف والإغواء والتهتك وخرق حرمة الأماكن الخاصة بالنساء.»

ينتهي الفصل بالمادة 522 التي تسعى من خلال تكريس الزواج إلى «تبييض» كل هذه الجرائم إذ تنص على أنه «إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم وبين المعتدَى عليها أوقفت الملاحقة، وإذا صدر الحكم بالقضية علق تنفيذ العقاب الذي فرض عليه».

وعليه، لا يعود المجرم مجرماً اذا تزوج الضحية. أما الضحية فليس لها أي اعتبار: أكانت طفلة أم راشدة، المهم هو «تبييض» الفضيحة، والتعتيم عليها مهما كان الثمن.

وترى زلزل أنه «بالرغم من عدم دستورية هذه المادة، وبالرغم من المطالبة الدائمة للمجتمع المدني المحلي والدولي لا سيما للجنة «السيداو» بإلغاء هذه المادة، الا أنها تقاوِم الالغاء بشراسة وكأنها آخر قلعة لفكر تسلطي ولتركيبة بطريركية تخشى التفكك والانهيار». هذه المقاومة سبق أن حالت في أكثر من مناسبة دون اجراء مراجعة كاملة لقانون العقوبات بغية تأسيسه على مفاهيم حديثة.