IMLebanon

Dommage”

لا يسع المرء، إثر رحيل قامتَين شاهقتَين أخيراً – الشحرورة وسعيد عقل – على مسافة يوم واحد، إلا المقارنة، على رغم عدم صوابية هذه المقارنة وفق المعيار النقدي والعلمي. لكنها تصير مقبولة اذا قاربناها من منظار الشهرة ومحبة الناس وحجم الخسارة.

مَن لا يعرف صباح؟ مَن لم يسمع بسعيد عقل؟ أستطيع أن أجزم أن لا أحد. هما، اذاً، متساويان في الهيبة والحضور. على سبيل المثال، تلقينا في “النهار” مئات المقالات من مثقفين يرثونهما ويتناولون إرثهيما الفني والشعري ويحللون أهميتهما، كلٌّ في مجاله، ويعرضون لمساهماتهما في الثقافة اللبنانية.

لكن مقالي لا يصبّ في هذا الباب: لن أتناول الإرث، ولن أحلل الأهمية، لن أعرض للمساهمات. ليس فقط لأن كثراً أعرَف مني بهما، وقد سبقوني الى ذلك، ولكن لأننا ننسى غالباً، نحن العاملين في الوسط الثقافي، “توريط” الناس في ما نكتب. أعني أولئك “العاديين”، أي غير العاملين في مجال الأدب والفكر والفن، لكنهم من المتابعين، ولهم رأي يستحق أن يؤخذ في الاعتبار. ناس يتعامل بعضنا، نحن جماعة الوسط الأدبي، بفوقية معهم، من باب “إنتو شو فهّمكن بالثقافة؟”.

هكذا دأبتُ، طوال الاسبوع الفائت، على اجراء استفتاء عفوي، فسألت كل من صادفت عن صباح وسعيد عقل: جارتي في الطابق الثالث؛ موظف البنك؛ سائق السرفيس الذي يفهم في السياسة “أكثر من نبيه بري ووليد جنبلاط مجتمعين”، على قوله؛ طبيبة الأسنان التي تقاصصني مرتين في الأسبوع؛ عامل التوصيل في المطعم الذي يستر على جهلي في الطبخ والنفخ، وهكذا. طرحتُ السؤال على أكثر من مئة شخص في مجالات مختلفة – لا أدعي طبعاً أنها عينة تمثيلية – فجاء الجواب هو هو: “سعيد عقل خسارة كبيرة للبنان، أكيد. بس الصبوحة؟ خسارة لكل الناس واحد واحد”.

أكرر: بمعزل عن استحالة أي مقارنة بين فنانة وأديب، مهما تشابها في الثقل، وبمنأى من أي تشكيك في أهمية سعيد عقل، وإدراكاً لـ”صعوبة” وصول الشعر والفلسفة الى جمهور واسع، حسبي أن علينا ربما أن نتعلم درسَين بسيطين مما سبق: ليس أثمن من التواضع للنفاذ الى قلوب الناس وعقولهم؛ وليت بعض المثقفين يخففون من جرعة التعالي والهرمسية: ليس ترويجاً لشعبوية سطحية بل لبساطة عميقة، لعلنا ننقذ ما يمكن انقاذه من مكانة الأدب في قلوب الناس، لكي لا يقولوا عنا بدورهم بعد رحيلنا: “كنت بعرف إنّو بيفهم، بس أنا ما كنت إفهم عليه شي! Dommage”.