IMLebanon

الوطن الحلم

 

منذ 44 عاماً، بالتمام والكمال، أُصيب لبنان بتلك الضربة القاضية التي أقعدته طويلاً ولم يقم من ويلاتها بعد، وليس ما يشير الى أنّه سيقوم في مستقبل منظور.

 

في 13 نيسان 1975 وقعت الواقعة التي تحولت الى واقعات لا حصر لها ولا عدّ، ليسقط ذلك البنيان الجميل الذي اسمه لبنان، فيقوم على أنقاضه هذا اللبنان الهجين الذي حمل ويحمل التشوهات كلها، والذي انقلب فيه الوطن الصغير رأساً على عقب. فإذا بنا أمام كائن مشوه، بشع، يزداد فيه التشويه وترتفع البشاعة يومياً!

 

لم أُعدَمْ الجواب عندما كان أولادي يسألونني: لماذا أنت متمسك بهذا اللبنان؟ كانت الجنسية الأجنبية (الأوروبية تحديداً) في متناولك، أمضيتَ سنوات طويلة وانت تتغزّل بلبنانك.. ونحن لم نلمس شيئاً يدعونا الى الاقتناع، أنت تزوجت في الحرب، وأنجبتنا في الحروب، وعانينا الأمرّين من اللاأمان واللاستقرار، وما زلنا ندفع فواتير تلك الحروب من دون أن يكون لنا فيها يد أو مسؤولية. فلماذا أنت متمسك بهذا اللبنان؟

 

أجل، لم أعدم جواباً لأنني قلت وأقول وأكرّر: إن لبنان الذي أحببتُ حتى العبادة هو غير هذا اللبنان. لبناني كان غير هذا الكيان الهجين المشوه. كان لبنان الأمان والطمأنينة والازدهار. كان الوطن الذي يتجاوز دخل الفرد فيه دخل أي فرد آخر في أي بلدٍ من بلدان هذه المنطقة.. كانت عملته (الليرة) من أقوى عملات بلدان العالم. وهذه ليست مبالغة. سنة 1970 كنت في ألمانيا وقد استنفدت ما كنت أحمل من المارك الالماني، فدخلت أول مصرف طالعني في فرانكفورت وقدّمت ثلاث ورقات من فئة المئة ليرة لبنانية (وكانت الفئة الأعلى في عملتنا الوطنية) وتقدّمت بها من موظفة البنك فتناولتها من دون تردد وبادلتني بــ600 مارك! هكذا ببساطة وصدق وواقعية. أي أنّ الليرة كانت مصنّفة بين ثلاث أو أربع عملات صعبة في العالم!

 

لبناني كان مدرسة وجامعة ومكتبة ودار نشر ومستشفى ومنتجع (…) العالم العربي كلّه.

 

لبناني هو الذي شارك في صياغة شرعة حقوق الإنسان.

 

لبناني هو الذي كان أهل السياسة والحكم فيه «يدخلون» الحكم والسياسة أثرياء ويغادرونها وقد تراكمت عليهم الديون.

 

 

لبناني كان المواطن العادي فيه ينطبق عليه المثل السائر «فلاّح مكفي أمير مخفي».

 

لبناني لم يكن فيه جائع. ولم يكن فيه منبوذ. ولم يكن فيه حقد وضغينة.

 

لبناني كانت فيه موالاة حقيقية ومعارضة حقيقية. وكان فيه رئيس جمهورية يفوز بصوت واحد ثم ينطلق الى مؤتمر القمة العربية في مصر ليكمل ما كان بدأه (في أعمال القمة) سلفه الذي انتهت ولايته قبل ساعات… فيما كان مستحيلاً وجود رئيس (أو حاكم) عربي سابق خارج السجن أو … القبر!

 

لبناني كان فيه تواضع. كان رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة يفتحون أبوابهم للمواطنين. وكانت المواكب الرسمية أمام هؤلاء المسؤولين  الكبار تقتصر على درّاج واحد!

 

لبناني كان رئيسه قادراً على أن يقارع كيسنجر في عزّ غطرسته.

 

وأن يكون نداً للاباطرة والملوك ورؤساء القوى العظمى.

 

لبناني كان السياسيون فيه أصدقاء للخارج ولم يكونوا تابعين أو عبيداً (…) وكان 13 نيسان 1975 نقطة الانطلاق لسقوط ذلك الوطن – الحلم وقيام هذا الوطن الهجين.