ثلاث سنوات مرّت على تهجير أبناء القرى الحدودية الأمامية، وأكثر من 100 ألف نازح توزّعوا في قرى وبلدات النبطية ومرجعيون وصور. ورغم مرور ثمانية أشهر على وقف العدوان على لبنان، لم يُفتح بعد باب العودة، وبقي الحلم مؤجلًا، في ظل غياب مقومات الحياة، وانعدام الأمن، واستمرار الاستهدافات المتكررة.
خمس نقاط ما زالت محتلة، والخط الأحمر الجديد الذي استحدثه العدو يمنع الناس حتى من الاقتراب من أراضيهم المحاذية للخط الأزرق، ما يزيد من تعقيد الواقع.
النازحون اليوم يعيشون مصيرًا مجهولًا، خسروا كل شيء ولم تقدّم الدولة لهم الحدّ الأدنى من مقومات الصمود. ما يطالبون به اليوم هو الرعاية الصحية المجانية، التعليم، ودعم وزارة الشؤون الاجتماعية، في انتظار العودة التي يعتبرها محمد، نازح من بلدة حولا، “بعيدة المنال”، ويقول: “المخطط واضح، يريدون تحويل القرى المدمرة إلى مناطق معزولة يُمنع علينا العودة إليها”، مضيفاً بحرقة: “حتى كوخ نأوي إليه ممنوع، والدولة لم تسأل عنّا وكأننا خارج الخريطة اللبنانية”.
هاجس “المنطقة العازلة” وتراخي الدولة اللبنانية في التعاطي الجدي مع ملف العودة وإعادة الإعمار، دفع أبناء القرى الحدودية إلى التحرك عبر تشكيل “تجمّع أبناء القرى الحدودية” ليكون صوتهم في وجه كل من يمنع عودتهم المحقة.
في توقيت دقيق وظروف بالغة الصعوبة تمر بها القرى الجنوبية، خاصة الحدودية، التي تواجه خطر تثبيت الاحتلال الإسرائيلي لـ 7 نقاط جديدة واستحداث “الخط الأحمر” الذي يوسّع نسبة الأراضي المحتلة، جاء إعلان التجمّع ليحمل 14 مطلبًا محوريًا تبدأ بإعادة الإعمار والعودة، وتشمل توفير الكهرباء والمياه، والطبابة والتعليم، وصولًا إلى دعم النازحين ماليًا.
وبحسب أحد مؤسسي التجمّع طارق مزرعاني، فإن التخوّف من “المنطقة العازلة” المزعومة التي يتذرّع بها العدو، سرّع إطلاق التجمّع، الذي يمثل هواجس وهموم كل القرى من الناقورة حتى شبعا.
وأكد مزرعاني أن التجمّع لا يحمل أي صبغة سياسية، بل هو إنمائي حياتي، ويدُه ممدودة لكل من يريد دعم أهل الجنوب. وقال: “الحرب لم تنتهِ، والاستهدافات مستمرة، والعودة لا تزال ممنوعة، وتوقف التعويضات فاقم المعاناة، لذا نطالب الدولة بدعم شهري لا يقل عن 300 دولار للنازحين، قبل أن يُرمى بهم في الشارع”.
في باحة “جمعية تقدم المرأة” في النبطية، جلست منى يعقوب، نازحة من بلدة حولا، تراقب الواقع بحسرة. نزحت كما كل أبناء بلدتها التي صُنّفت “منكوبة”، حتى زيارتها إلى البلدة باتت محفوفة بالمخاطر. مطلبها بسيط وواضح: “أريد العودة إلى منزلي وأرضي… نحن لسنا منسيين على أرضنا”.
الهواجس تتضاعف بين أبناء القرى الحدودية، والخوف الأكبر أن يبقى لكل نازح “مفتاح منزله” فقط، من دون منزل. أمر يرفضه تمامًا يوسف حاوي، الذي يقول: “صرنا منسيين من قبل الدولة. نريد العودة، وإن لم تتحقق فلتؤمّن لنا الدولة بديلًا”. يتحدث بحرقة: “لا مال، لا عمل، لا طبابة… من يُصاب بوعكة صحية يعجز عن دخول المستشفى”.
“الوطن هو الاستقرار، والاستقرار هو الوطن”، معادلة أطلقها أبناء القرى الحدودية الذين جمعهم “تجمّع أبناء القرى” ليكون صوتهم الحقيقي. وتختم ناديا مزرعاني بالقول:
“نريد الحماية لنعود، وسنعود حتمًا… عودتنا مؤجلة، لكنها آتية لا محالة”.
تتحدث نادية عن معاناة النازحين في التهجير، وغلاء المعيشة، وأجرة المنازل التي باتت خارج قدرة الكثيرين على الدفع: “كثيرون عاجزون عن دفع إيجار منازلهم، الكل تخلى عنا، وعلى الدولة أن تتحرك. اشتقنا لرائحة تراب أرضنا”.
من المتوقع أن يبدأ التجمع تحركاته سريعًا، حيث سيلتقي مختلف الفاعليات والنواب لعرض مطالبه المحقة. ولا يتردد نسيم حسين بالقول: “سنطرق كل الأبواب ولن ندخر جهدًا في أي تحرك يدافع عن حقوق أهلنا النازحين”.
يعتبر أن هذا التجمع هو صرخة من كل الناس، ويدعو الجميع للتجاوب معهم، مؤكدًا أن “كل من يملك حسًا وطنيًا سيقف إلى جانبنا”، ومتوقعًا أن تنال مطالبهم، وعلى رأسها الاستشفاء والتعليم والطبابة، أدنى حد من الدعم.
هل ستُصغي الدولة لهذه الصرخة، أم سيبقى التجمع حبرًا على ورق؟