IMLebanon

دوميستورا حاصَرَ مهمته بنفسه وضيّق حركته المقاربة “الواقعية” ذهبت لمصلحة النظام

اثارت التصريحات التي ادلى بها الموفد الدولي الى سوريا ستيفان دوميستورا الاسبوع الماضي انعكاسات سلبية تخشى مصادر ديبلوماسية ان تكون مهمته قد تضررت بنتيجتها على نحو كبير. اذ اضعف الموقف الذي ادلت به الادارة الاميركية ردا على ما اعلنه دوميستورا من ان الرئيس السوري هو جزء من الحل في سوريا حتى بعدما اوضح انه قصد في كلامه ان الاسد هو جزء من وقف العنف، ويخشى انها ضيقت هامش تحركه. فهو بات امام احد خيارين: ان تراجعه كليا عن موقفه على غرار التوضيحات التي قدمها لعدد من الدول كما لممثلي المعارضة السورية من انه قصد ان الاسد هو جزء من المعالجة للوضع الحالي وليس من الحل النهائي سيخلق له مشكلة مع النظام انطلاقا من ان توضيحه الذي لا يجعل الاسد جزءا من الحل النهائي سيصعب مهمته مع النظام الى درجة استحالتها كما حصل مع سلفيه كوفي انان والاخضر الابرهيمي. في حين ان الخيار الآخر هو ان ثباته على موقفه سيطيح مساعيه باعتبار انه سيظهره منحازا الى النظام خصوصا ان المعارضة لا تثق به في حين انه لا ينوي التحدث مع جبهة النصرة وتنظيم داعش على رغم انه يبذل المساعي لتبريد الوضع وهؤلاء يشكلون جزءا من هذا التبريد. ويرى البعض ان دوميستورا يتصرف وكأنه اظهر انحيازا للنظام حين يقبل وجهة نظره من انه يحارب الارهاب فعلا وفق ما يصر على ذلك منذ بداية الثورة ضده قبل اربع سنوات فيما هو حاول ان يستحصل على شيء من النظام يسهل مهمته من خلال مخاطبته او التعاطي معه كأمر واقع من اجل اخذ شيء في المقابل وهذا ليس متاحا سوى عبر استرضاء النظام السوري. علما ان المقاربة التي يعتمدها الموفد الدولي واقعية من حيث المبدأ لجهة ان اي وقف للنار بين متقاتلين يفترض ان يؤدي الى ان يكونوا جزءا من الحوار والنظام السوري هو طرف في الحرب القائمة ايا كان موقعه بحيث يتطلب الامر تعاونه من اجل وقف العنف تحت اي مبررات او ذرائع يرفعها في هذا الاطار. كما انه اكد مرجعية بيان جنيف 1 الذي يتحدث عن مرحلة انتقالية يفيد بالتزامه ما تم التوصل اليه في عهد التوافق بين الاميركيين والروس ولو ان ليس هناك توافقا على ترجمة تنفيذه ما لا يجعله عمليا خارج السياق الذي يحكم التعاطي الدولي القائم مع الازمة السورية. لكن مصادر اخرى تقول ان دوميستورا ارتكب خطأ الادلاء بتصريح اوحى فيه بانه تخطى بمساعيه بيان جنيف من خلال اعتباره الاسد جزءا من الحل بحيث اعطاه دفعا قويا لموقعه يوظفه النظام لمصلحته فيما هو ساهم بتقويض جهوده بنفسه بناء على ما اعلنه، كما اظهر تخطيه الوكالة المعطاة له من دول عدة بحيث سيصعب عليه المضي في مهمة صعبة اصلا والحصول على ثقة الدول الاقليمية الداعمة لمعارضة النظام السوري. وتفيد المعلومات المتوافرة لدى هذه المصادر ان لا تعليمات لدى دوميستورا من الامين العام للامم المتحدة بان كي مون باعتباره موفده للمضي في هذا الاتجاه اي اعطاء اوراق مماثلة للنظام وضمانات للمستقبل، لكن دوميستورا اجتهد بناء على تقديره للموقف الاميركي على الارجح حيث طلب وزير الخارجية الاميركي جون كيري من الاسد ان يحكّم ضميره في التعاطي مع شعبه بالتزامن مع تركيز الاميركيين على الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية.

وتقول المصادر نفسها ان دوميستورا احرج مجددا في الايام الاخيرة. اذ فيما نقل الى مجلس الامن في المداخلة التي قدمها امامه ما يبرّر عملياً قوله ان النظام هو جزء من الحل او من وقف العنف كما صحح لاحقا بموقف ايجابي عن استعداد هذا الاخير وقف القصف الذي يقوم به على حلب لمدة ستة اسابيع، فإن المعارك الضارية في حلب وجوارها لجهة ترجمتها مساعي النظام بدعم عسكري من ميليشيات ايرانية وسواها للسيطرة على المدينة لم تترك مجالا له سوى القول انه في كل مرة يكون فيها اقتراح لوقف النار اثبت التاريخ انه يحدث نوع من التصعيد من اجل تعزيز المواقع. وهذا صحيح الى حد بعيد. الا ان الجميع يدرك ان الاسد لن يوقف الحرب على حلب الا اذا شعر انه يخسر وليس في حال شعر انه رابح وهو يعطي انطباعات راهنا على انه في موقع قوة كما ان مواقف مسؤولين عسكريين اميركيين اوحوا بهذا المنحى في شهاداتهم امام الكونغرس الاميركي ما لا يجعله يرغب سوى في استسلام حلب كما فعل في حمص في حين ان تجميد القتال وفق المشروع الاساسي لدوميستورا لن يتيح له ذلك، وهو فرض على الاخير ان يعدل الورقة التي حملها له لهذه الغاية من اجل ان تتناسب مع ما يتطلع اليه اي اعادة السيطرة على المدينة وتسليم المعارضين بهذا الواقع.

ومع ان هذه الجهود تحظى بالمتابعة الدقيقة من جانب الاوساط السياسية اللبنانية، فإن ثمة اقتناعا بعدم جدواها لاعتقاد مبني من جهة على تجارب الحرب اللبنانية التي استهلكت جهودا ووساطات متعددة خلال الحرب من دون جدوى ما دام لا توافق اقليميا ودوليا الا على المواجهة في ساحة حرب ما، وهي الحال بالنسبة الى سوريا التي غدت كذلك راهنا حيث ان الصراع الدولي والاقليمي على اشده ولاعتقاد ان الجهود الحالية لا تتعدى تقطيع الوقت حتى أوان نضوج الحلول.