IMLebanon

“وقف النار الاقتصادي” مقابل التفاوض

 

لم تترك إيران مجالا للدول الأوروبية أن تبقى متمايزة عن الموقف الأميركي المتشدد تجاهها، بعد احتجازها الناقلة التي تحمل العلم البريطاني في مضيق هرمز.

 

 

على رغم أن الخطاب السياسي الأوروبي ما زال يترك مساحة لهذا التمايز مع قرار دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق على النووي مع إيران، فإن الأخيرة سقطت في اللعبة التي جرّها إليها الرئيس الأميركي، حين قادت المكابرة طهران إلى أفعال تجعلها في موقع المتهم بنسف الاتفاق، بقرارها رفع نسبة تخصيب اليورانيوم عما يسمح به الاتفاق على النووي، ثم عندما ذهبت أبعد من ذلك بتهديدها أمن الملاحة الدولية عبر مضيق هرمز، باحتجازها الناقلة البريطانية الهوية الأسبوع الماضي.

 

الخرقان الإيرانيان في العلاقة مع أوروبا يوسعان جبهة الدول الضاغطة على طهران، بغض النظر عن المواجهة الأميركية معها.

 

فخرق نسبة تخصيب اليورانيوم المنصوص عليها في الاتفاق على النووي، يفرض على الدول الموقعة على الاتفاق، أي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا، تنفيذ عقوبات على الجانب الإيراني وردت في الفقرة نفسها التي تنص على سقف تخصيب اليورانيوم المسموح به. أي أنه يمكن لهذه الدول فرض عقوبات على طهران إذا خرقت هذا السقف، تلقائيا، من دون العودة إلى مجلس الأمن لاتخاذ قرار جديد في هذا الشأن. ولعل هذا الجانب القانوني الذي انزلقت إليه طهران هو الذي دفع روسيا إلى تحذير حليفتها من التمادي في التخصيب، ما دفع القيادة الإيرانية إلى إعلان تجميده لاحقا ولو إعلاميا. فالخرق يلزم روسيا أيضا، ولو نظريا، أن تشارك في العودة إلى فرض عقوبات أممية على حليفتها المفترضة، وبالتالي يحرجها، هي التي تتسلح برفضها عقوبات ترامب، بالقانون الدولي، باعتبارها عقوبات غير صادرة عن مجلس الأمن.

 

 

في شأن الخرق الثاني، (وليس الأخير) فإنه إذا كان الإجراء الإيراني الأخير باحتجاز الناقلة البريطانية جاء ردا على مشاركة بريطانيا في احتجاز الناقلة الإيرانية التي تحمل نفطا إلى سورية في جبل طارق، فهو حصل تنفيذا للعقوبات الأوروبية على دمشق، لا الأميركية فحسب، والتي تشمل منع تزويد سورية بالنفط، في إطار العقوبات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي ضد نظام بشار الأسد، منذ نهاية عام 2011 ، والتي يجري تمديدها وتطويرها وتشديدها كل بضعة أشهر، آخرها في أيار (مايو) 2019 . أي أن طهران تعاقب بريطانيا على تنفيذها عقوبات شاركت في إصدارها، ضد النظام السوري والتي سعى الحرس الثوري إلى خرقها عبر إرساله الناقلة إلى السواحل السورية، وباسم أشخاص أسماؤهم على لائحة هذه العقوبات الأوروبية.

 

في الحالتين، تسهم طهران في التقارب الأميركي الأوروبي حيال سياساتها، في معرض ادعائها بأن مسعاها لتفكيك التحالف الغربي ضدها أخذ ينجح، بدليل ترويجها قبل أشهر بأن إدارة ترامب “في عزلة” دولية. وفي حقيقة الأمر هي تحقق ما يسعى إليه ترامب من بناء موقف دولي يزداد اتساعا ضدها. فهي هزأت من المحاولة الأوروبية لإقامة نظام مالي للتبادل معها، مركزه باريس (إنستكس)، والذي قضى بشراء النفط المحظر شراؤه بموجب إجراءات ترامب، مقابل استيرادها بضائع أوروبية، على أن يكون اليورو عملة هذا التبادل.

 

مع أن الحرس الثوري والمرشد علي خامنئي وصفا المساعي الأوروبية للالتفاف على العقوبات الأميركية بال”كاذبة”، قبل أسابيع، فإن الرئيس حسن روحاني تعاطى مع الجهود الفرنسية “المتواضعة والطموحة” في الوقت نفسه، لإطلاق حوار مع إيران تحت عنوان وقف التصعيد، متمنيا استكمالها. لكن المسعى الفرنسي الرافض لوصف تحركه بالوساطة، فإنه يهدف إلى تأمين “استراحة المحاربين”، بعد إسقاط الطائرة الأميركية المسيرة، ثم احتجاز الناقلة الإيرانية، ثم احتجاز طهران الناقلة البريطانية ووقف التوتر الذي يفتعله “الحرس الثوري” مع جيرانه الخليجيين. أما الهدف السياسي للحوار وفق الجهود الفرنسية، فهو تطوير الاتفاق على النووي، وبحث الوضع الإقليمي، وبرنامج طهران للصواريخ الباليستية….

 

خلافا لاشتراط القيادة الإيرانية العودة عن العقوبات، من أجل إطلاق التفاوض، ابتدع روحاني صيغة “وقف إطلاق النار الاقتصادي” في اتصالات الرئيس إمانويل ماكرون معه. هل هذا يوحي بأن الجهة الراغبة في التفاوض في طهران تريد وقف الحرب الاقتصادية بدل شرط العودة عن العقوبات، كشرط للجلوس إلى الطاولة؟

 

قد تنجح جهود وقف التصعيد في إقناع ترامب بتجميد ما ينويه من عقوبات جديدة ضد طهران، لاستكشاف استعدادها للتفاوض الجدي، لكنها بالتأكيد لن تثنيه عن مواصلة فرض عقوبات تبلّغ جميع المعنيين بأنها قادمة لا محالة، ضد أذرعها الإقليمية، بما فيها حيال “حزب الله” في لبنان والميليشيات التابعة لها في سورية.

 

وكلما تمادت طهران في خرق الاتفاق على النووي، كلما ساهمت في تقارب الموقف الأوروبي من ترامب. وكلما أصرت على سياسة منع تصدير النفط للجميع مقابل منعها من تصدير نفطها، عبر تهديد الملاحة الدولية في الممرات المائية الدولية، كلما دفعت الدول الأوروبية إلى التفاهم مع واشنطن على تشكيل القوة البحرية الدولية لحماية هذه الممرات، للحؤول دون تحكم الحرس الثوري بها، في شكل يسقط ورقة سيطرته على هذه الممرات.