IMLebanon

إجتماع مصيري اليوم في قصر بعبدا… فهل يعبر الاقتصاد أزمته الخانقة؟

 

علامات استفهام حول عملية استيراد المحروقات… ما بين التخزين والإحتكار والتهريب

سلامة يدق ناقوس الخطر ورفع الدعم أصبح أمراً واقعاً في ظل تراجع احتياط العملات الأجنبية

 

 

يلتقي اليوم الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي برئيس الجمهورية العماد ميشال عون في جلسة جديدة ضمن المشاورات المتعلّقة بتشكيل الحكومة بعد عام على إستقالة حكومة الرئيس حسان دياب وفي ظل عجز كلّي عن تشكيل حكومة ظهرت معالمه مع إعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري.

 

لا تزال مفاعيل الأجواء الإيجابية التي رافقت عملية تكليف الرئيس ميقاتي ظاهرة أقلّه من خلال وتيرة الزيارات التي يقوم بها الرئيس المكلّف إلى القصر الجمهوري، يضاف إلى ذلك الضغوطات التي وضعها المجتمع الدولي سواء عن طريق الترهيب – مع إقرار آلية العقوبات الأوروبية – أو عن طريق الترغيب – مع الوعود بالمساعدات بمجرّد تشكيل الحكومة وبدء ورشة الإصلاحات والضغوط الإقتصادية التي تزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم خصوصًا بعد التصريح الصادم لحاكم مصرف لبنان عن حجم إستيراد المحروقات.

 

الترجمة الفعليّة لهذه الأجواء ستظهر معالمها اليوم مع تفاؤل – ولو محدود – بتخطّي العقد المتبقية والمتمثّلة بتوزيع الحقائب على الطوائف. وبالتالي هناك إحتمالان مرجحان:

 

أولا – يتمّ حلّ عقدة توزيع الحقائب على الطوائف وبالتالي سيكون المسار نحو تشكيل الحكومة مُعبّداً وهو ما سينعكس على المواطن مباشرة بإنخفاض بسعر صرف الدولار في السوق السوداء؛

 

ثانيًا – لا ينتهي إجتماع اليوم بحلّ هذه العقدة وبالتالي ستطول مدّة التشكيل أكثر وهو ما سينعكس على المواطن تردّيًا في الظروف المعيشية تبدأ ملامحه في ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء.

 

إذًا اجتماع اليوم هو اجتماع ذو أهمية بالنسبة لحياة المواطن قبل أي طرف آخر لأن الظروف التي أصبح يعيشها أصبحت قاسية خصوصًا أن المشاكل تزداد يومًا بعد يوم كأن هذا المواطن لا يكفيه ما يعانيه من ارتفاع جنوني للأسعار خصوصًا المواد الغذائية والأدوية والمحروقات والخدمات…

 

إن أهمية تشكيل الحكومة لا يعني الانفراج الكلي، فالتحدّيات التي ستواجه الحكومة العتيدة عديدة ومنها الملف الاقتصادي وملف الإصلاحات والتفاوض مع صندوق النقد الدولي وضبط التهريب والمفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي على الحدود الجنوبية للمنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان، وملف النازحين السوريين، وملف الانتخابات… ورشة كبيرة بإنتظار هذه الحكومة التي عليها أن تبدأ بالأهم فالمهم والتي يتأمل منها الشعب اللبناني الخلاص والخروج من هذه الأزمة المستفحلة بالبشر والحجر وحتى الشجر مع حرائق ضربت القبيات وعكار ووصلت إلى حدود الهرمل وحرائق أخرى ضربت دير القمر. ولقد شهدت منطقة خلدة أمس إشتباكات عنيفة راح ضحيتها عدد من الضحايا على خلفية إغتيال لمواطن في منطقة الجيّة وإمتدّت هذه الإشتباكات إلى منطقة عرمون.

 

الواقع الاقتصادي من وجهة نظر

 

المجتمع الدولي

 

التقارير الواردة من الإتحاد الأوروبي عن الوضع الاقتصادي في لبنان سلبية جدًا حيث يرى الإتحاد أن لبنان يعيش أزمة عميقة هي نتاج فساد مُستشرٍ مع غياب كامل للمحاسبة. ويخشى الإتحاد إنهيار الدولة اللبنانية التي تُعتبر دولة مُهمة إستراتيجيًا للاتحاد وبالتالي يعمل على إيجاد مخارج لتشكيل الحكومة من خلال الضغط على القوى السياسية لتشكيل حكومة.

 

من جهتها تعتبر الولايات المتحدة الأميركية أن مسؤولية ما يحصل يقع على القوى السياسية وتُلوّح بالعقوبات – بعد فرض عقوبات أوروربية – على كل من يُعطلّ تشكيل الحكومة. الجدير ذكره أن إدارة ترامب كانت قد فرضت عقوبات بوتيرة كبيرة العام الماضي لتخفّ هذه الوتيرة مع وصول إدارة بايدن.

 

أما على صعيد الأمم المتحدة، فقد أصدرت بيانًا أعربت فيه عن تخوّفها من أن تحصل أزمة غذائية حادةّ في لبنان خصوصًا بعد التقريرين اللذين صدرا عن اليونيسف بأن 30% من أطفال لبنان ينامون وبطونهم خاوية و77% من عائلات لبنان لا يستطيعون شراء حاجاتهم الغذائية، وبعد تقرير البنك الدولي الذي صنّف الأزمة في لبنان الأسوأ منذ 150 عامًا.

 

ومن وجهة النظر الغربية، الشعب اللبناني مُحاصر وبالتالي لم يعد لبنان يمتلك رفاهية الوقت وبالتالي هناك وجهتا نظر لدى عواصم القرار: الأولى تنصّ على فرض عقوبات إضافية على السياسيين الذي يُعرقلون تشكيل الحكومة (وهي الأرجح)، والثانية تنصّ على زيادة الضغط الديبلوماسي وعدم التسرّع في فرض عقوبات نظرًا إلى أن الشعب هو من سيُعاني من تداعيات هذه العقوبات.

 

ويُشير تقرير أميركي أنه “بعد أيام من استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري وإختيار رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي لتشكيل حكومة جديدة في لبنان الذي يقول إنه يحظى بدعم دولي من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ودول أخرى، لم يستطع ميقاتي تشكيل حكومة على الرغم من أنه قال بأنه سيعين مجلس الوزراء في أقرب وقت ممكن”. ويُضيف التقرير أن “المشكلة الأساسية التي أفشلت المحاولات السابقة لتشكيل حكومة شرعية وفعالة أي أن الطبقة السياسية مستمرة في إقتراح الخيارات التي تمثل نخبتها الخاصة”.

 

وُيشير التقرير إلى أن الطبقة السياسية “تسعى إلى الحفاظ على الوهم بأن العملية السياسية في البلاد لا تزال تعمل!”، مُشدّدًا على أن هناك همّين رئيسيين للطبقة السياسية ويقودان هذا الوهم: الأول هو “عقوبات الاتحاد الأوروبي التي تلوح في الأفق على القادة اللبنانيين”، والثاني “آفاق جولة جديدة من الاحتجاجات الشعبية في الداخل”. ويرى التقرير أن الطبقة السياسية “تُحاول تأخير رد الفعل العنيف في الداخل والخارج، وبالتالي تواصل إثارة الآمال الزائفة في وجود حل داخلي”، مُضيفًا أن ما دفع “بعض الأحزاب لترشيح ميقاتي هو كي يتمكنوا من استخدام الحكومة الناتجة لإدارة الانتخابات البرلمانية المقبلة في ايار 2022”.

 

ويطرح التقرير تصوّرًا سيئًا لما ستؤول إليه الأمور حيث يُشكّك في قدرة الحكومة على القيام بإصلاحات جدّية وبالتالي ستكون “مضيعة للوقت”. ويدعو التقرير المجتمع الدولي إلى التنبّه من لعبة “شراء الوقت” وعدم إطالة الأزمة الإنسانية إلى أجل غير مسمى، وفرض عقوبات فورية على القادة اللبنانيين داعيًا الإدارة الأميركية إلى إستخدام قانون ماغنيتسكي العالمي “لمعاقبة المزيد من القادة الفاسدين كرسالة دعم للشعب اللبناني”.

 

صرخة مصرف لبنان

 

-في بيان مُلفت في أسلوبه أصدر حاكم مصرف لبنان بيانًا بدأه بعبارة “يهمّني أن أصارح اللبنانيين ببعض الحقائق ليكونوا على بيّنة مما يحصل…” وهو أسلوب لم نعتد عليه من حاكم المركزي الذي عادة ما يتوجّه إلى المصارف والمؤسسات المالية من خلال التعاميم. ويُمكن إعتبار هذا البيان بأنه دق لناقوس الخطر بأن مرحلة رفع الدعم أصبحت واقعًا في المرحلة المقبلة. وإذ رفض حاكم مصرف لبنان اتهامه بالتسبب في أزمة المحروقات التي يعاني منها لبنان، حمّل الذين يستغلّون الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية بجشع لا يمكن وصفه، والسلطة السياسية مسؤولية الأزمة في المحروقات

 

كاشفًا أن مصرف لبنان قام خلال شهر تموز المنصرم ببيع 828 مليون دولار أميركي لإستيراد المحروقات موزّعة على الشكل التالي: 293 مليون دولار وموافقات سابقة بنحو 415 مليون دولار لإستيراد البنزين والمازوت، إضافة إلى 120 مليون دولار لاستيراد الفيول إلى كهرباء لبنان.

 

وأضاف البيان أنه على الرغم من كل هذا الدعم، لا يزال المواطن يعاني الشح في مادة المازوت “إلى حد فقدانها بالسعر الرسمي المدعوم، ونشوء سوق سوداء يتم من خلالها ابتزاز المواطن في أبسط حقوقه، ومنها الكهرباء عبر المولدات، وهذا ما يرتّب نتائج خطرة على المستشفيات وعلى الأمن الاستشفائي والغذائي، بسبب إصرار التجار إما على التهريب وإما على التخزين للبيع في السوق السوداء، وذلك بفعل عدم اتخاذ إجراءات صارمة من المعنيين لوقف معاناة المواطن”.

 

وأشار البيان إلى أن المصرف المركزي يُصرّ على الإلتزام باحترام التوظيفات الإلزامية مُشيرًا إلى أن المركزي إتخذ “كل الخطوات الممكنة في ظل هذه الظروف للتنبّه إلى كيفية بيع الدولار إلى المستوردين وكيفية توزيعه وإدارته”، واضعًا كأولوية مطلقة “مصلحة المواطن”.

 

أرقام الجمارك المعروضة على البوابة الإلكترونية للمؤسسة تتوقّف عند شهر شباط 2021. وتُشير هذه الأرقام إلى أن إستيراد المحروقات في الشهرين الأولين من هذا العام بلغ 419 مليون دولار أميركي وهو ما يتخطّى المعدّل الشهري التاريخي من العام 2011 وحتى العام 2021 والبالغ 380 مليون دولار أميركي HS Codes: 2710.12.13; 2710.12.14; 2710.12.30; 2710.12.40; 2710.12.50; 2710.12.60; 2710.12.70; 2710.12.90; 2710.19.10; 2710.19.20; 2710.19.30; 2710.19.90; 2710.20.00; 2710.99.00). إلا أن الأرقام التي طرحها مصرف لبنان (وهي لشهر تمّوز 2021) تُشير إلى مُضاعفة هذه الكمّية وبالتالي هناك أسئلة تُطرح عن حول عملية الإستيراد ومصير الكمّيات المستوردة؟

 

عمليًا الإحتكار والتهريب أصبحا أمراً معروفًا لدى الجميع خصوصًا مع كثرة الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تُوثّق عمليات التهريب. إلا أن مُعالجة الأرقام تُشير إلى أن مُعدّل الإستيراد منذ العام 2011 وحتى العام 2020، يُشير إلى أن هناك فائضاً يتخطّى الضعف لحاجة السوق اللبناني مع إستيراد يفوق الـ 3.5 صفيحة للسيارة الواحدة في لبنان (قبل العام 2019) و2.5 للعام 2020، و2.85 للشهرين الأولين من العام 2021. ويُشكّل هذا الفائض ما يفوق الـ 10 مليارات دولارات على هذه الفترة أغلب الظنّ أنها ذهبت بإتجاه أسواق أخرى غير الأسواق اللبنانية.

 

صمت رسمي

 

بيان مصرف لبنان الملفت قابله صمت “صادم” للسلطات الرسمية التي تُشاهد المواطنين يُعانون وفي نفس الوقت عمليات الإحتكار والتهريب مُستمرّة على قدمٍ وساق. والأصعب في الأمر هو فرضية أن يكون شراء الدولارات لا يخدم إستيراد المحروقات بل يتمّ فقط نقل الدولارات إلى الخارج من دون أن يكون هناك كميات من المحروقات قد تمّ إستيرادها. وهذه الفرضية إذا ما صحّت تُشكّل بحدّ ذاتها جريمة بحق الشعب اللبناني لا يمكن تبرئة الحكومة وقبول سباتها وهي المطالبة في مثل هذه الأحوال بالتحقّق من هذا الأمر من خلال الأجهزة المالية والرقابية والأمنية.