IMLebanon

قرار خفض حصص التعليم: الشعبوية لتبرير الإرتجال

لم يقدّم وزير التربية الياس بوصعب، في مؤتمره الصحافي أمس، الأجوبة المنتظرة عن خلفية قراره بخفض حصص التعليم. كرر أن الهدف هو «ترييح الطلاب والمعلمين» وأن «القرار أوليّ ومؤقّت»، معززاً بذلك انطباعاً يترسخ عن وجود ارتجال وشعبوية في إدارة العملية التعليمية

منذ أيام، صدر عن وزير التربية الياس بوصعب قرار موجه إلى المدارس الرسمية والخاصة، يتعلق بوقف العمل في عدد من محاور المواد التعليمية ودروسها، وذلك في إطار إعادة النظر بمناهج التعليم ما قبل الجامعي، بحسب ما جاء على موقع المركز التربوي للبحوث والإنماء (http://www.crdp.org/ar/desc-projects/26019).

انطوى هذا القرار (وفقاً للجداول المرفقة) على خفض عشرات الحصص التعليمية في جميع صفوف المرحلتين المتوسطة والثانوية، طالت مواد اللغة العربية وآدابها، اللغة الفرنسية وآدابها، اللغة الإنكليزية وآدابها، الكيمياء، الفيزياء، علوم الحياة، الرياضيات، التربية الوطنية والتنشئة المدنية، الجغرافيا، التاريخ، علم الاجتماع، الفلسفة وعلم الاقتصاد. وبالاستناد الى توضيحات المركز، تضمنت هذه الإجراءات “وقف العمل مؤقتاً بعدد من مضامين ومحاور المناهج الصادرة سابقاً وإعادة العمل ببعض المضامين الأخرى، بنسب تراوح بين 15 و20%”.

في ضوء صدور هذا القرار، تلقّت “الأخبار” أجوبة من رئيسة المركز ندى عويجان عن أسئلة محددة تتناول الآثار المحتملة على تطبيقه والنتائج على المناهج ومنظومة التعليم عموماً، ومنها سؤال واضح عمّا تردد عن خفض مدة الدراسة من 28 أسبوعاً الى 23 أسبوعاً، فلم تنف عويجان ذلك (http://al-akhbar.com/node/264426)، في حين أكّده معنيون، شاركوا في صياغة هذه الإجراءات، ولا سيما أن خفض هذا القدر من الحصص التعليمية لا بد أن ينعكس على مدّة التدريس، فضلاً عن نوعيته.

أثارت هذه الإجراءات ردود فعل سلبية واسعة، ولا سيما في أوساط المشتغلين في التعليم، إذ سبقتها دعوات الى تمديد العطلة الصيفية للتلاميذ لإطالة الموسم السياحي الصيفي خدمة لأصحاب المصالح في القطاع السياحي. يبدو أن الوزير بوصعب لم يكن يتوقع مثل هذه الردود، بل ترحيباً من الطلاب وأسرهم الذين سيكونون سعداء بعام دراسي أقصر وعطلة صيفية أطول. سارع بوصعب الى نفي أن يكون قراره بخفض الحصص التدريسية يعني خفضاً لأيام الدراسة، وهو ما لا يذهب إليه معظم الذين شاركوا في الاجتماعات التمهيدية، الذين أكّدوا وجود مثل هذا التوجه، كما أكدوا وجود إيعاز من الوزير الى رئيسة المركز التربوي لخفض الحصص بما يؤدي الى خفض مدّة التدريس، أو أقلّه، هذا ما فهموه من التوجيهات المعطاة لهم.

جرى حذف

دروس مترابطة في بعض المواد

لم يكتف الوزير بوصعب بالنفي، بل سارع الى الدعوة لعقد مؤتمر صحافي (أمس) في وزارة التربية. انتظر الجميع شروحات وتوضيحات حول الأهداف الفعلية من هذه الإجراءات، إلا أنه أطل بحديث «شعبوي» عن “تخفيف معاناة المتعلم والمعلم وضرورة ترييحهم من ثقل المواد”، من دون أن يقدّم أي دليل على أن الإجراءات المتخذة توفّر سبل تطوير العملية التعليمية والمناهج وتحديثها، وتساهم في رفع مستوى التعليم وجودته.

اكتفى الوزير بوصعب بكلام عام، سبق أن ورد في بيان المركز التربوي، عن “إعادة النظر بالمواضيع التي تساعد المتعلم على النجاح في امتحانات الدخول إلى الجامعات. والتركيز على المواضيع التي تتصل بالحياة اليومية للمتعلم، والتي لها علاقة بالمناهج المعتمدة عالمياً، وضرورة وقف العمل بالمواضيع التي لا تناسب الفئة العمرية للمتعلم، وبالمواضيع المكرّرة، والتخفيف من ثقل الحصص الدراسيّة وتسهيل عملية التعلم والفهم والاستيعاب، ما يريح المتعلم، ويعطي للمعلم الوقت الكافي لتحقيق الأهداف المتوخاة من الدروس، والتعمق في اكتساب المتعلّمين المهارات والمواقف التي نصت عليها روحيّة المناهج التربوية وذلك لتطوير وتحسين عملية التعليم والتعلّم”.

إلا أن الوزير بوصعب لا يحتمل مثل هذا “الكلام الكبير”، فظل يكرر في مؤتمره الصحافي أن «التعديل يهدف في جوهره إلى تخفيف الضغط الناتج من السعي الدائم لإنهاء البرامج المعتمدة”، مشيراً الى أن “عدد الأيام المحدد في مرسوم المناهج الصادرة في عام 1997 هو 170 يوم تدريس، فيما العدد المنفذ هو نحو 140 يوماً، وذلك بسبب العطل المتنوعة والإضرابات، ما يجعل المعلم والمتعلم في سباق لإنجاز حجم مناهج في عدد أيام أقل ولم ينجح أحد في إنهاء ذلك».

إذاً، يقرّ الوزير بوصعب بأن الهدف الضمني هو خفض أيام التدريس، ولو في معرض القول إنها خفضت كأمر واقع، إذ يبرر خفض الحصص التعليمية بما هو حاصل وليس بما تحتاج إليه العملية التعليمية والمناهج. لذلك لم يجد الوزير بوصعب نفسه مضطراً لتقديم جواب عن كيفية ملء الفراغ الناتج من خفض الحصص إلا “الترييح”، وهذا يفسّر لماذا اقتصر العمل على تسهيل المناهج بحذف دروس صعبة تحتاج إلى جهد علمي من الطلاب والأساتذة، كما يفسّر كيف حذفت في الرياضيات دروس مترابطة مع الصفوف الأعلى، فيما تشكو المادة أصلاً من عدم الترابط.

على أي حال، قال بوصعب، أمس، إن الأولويات تقضي بإحداث الترابط بين محاور المنهج ضمن سياق سنوات التعليم من الروضة حتى الجامعة من جهة، وسوق العمل من جهة ثانية، «باعتبار أن فقدان هذا الترابط يعني فشل الخطة التربوية التي نقوم بها». لكن إذا كانت هذه العملية قد تمت فعلاً وفق خطة تربوية قائمة على أهداف المواد، فلماذا لم يتم تقليص أي محور أو درس من مواد الحلقة الأولى والثانية من التعليم الأساسي (المرحلة الابتدائية)؟

حمى الوزير قراره بالقول إنها خطوة أولى ومؤقتة، إنما جدية وجريئة في سياق ورشة سنستكملها لإعادة النظر الشاملة في المناهج. نسأله: لكن المؤقت دائم في لبنان؟ يجيب: «العمل على المناهج لم يتوقف منذ المؤتمر التربوي الذي نظمته وزارة التربية (كلنا للعلم) ولن يتوقف”.

ما دام الأمر كذلك، لماذا إذاً الاستعجال في اتخاذ القرار؟ نفى الوزير أن يكون الإجراء المتخذ اعتباطياً ومتسرعاً، بل آثرنا إطلاقه في بداية العام الدراسي ليكون الوقت مناسباً للتطبيق، ولا يقال لنا إنكم اتخذتم القرار في منتصف العام الدراسي أو في نهايته. لكن إذا كانت الخطوة غير ناضجة، فلماذا لا يؤجل القرار إلى بداية العام الدراسي المقبل؟ وهل المطلوب تحقيق إنجاز؟

المركز التربوي ينفذ ما يريده الوزير

لم يتردد وزير التربية الياس بوصعب في القول إنه كان يضغط على المركز التربوي منذ سنة ونصف سنة من أجل تعديل المناهج وتوصيف الامتحانات. في الواقع، المركز التربوي هو مؤسسة عامة وسلطة الوزير عليه هي سلطة وصاية فقط، لكن تغييب مجلس الاختصاصيين جعل الوزير يتفرد في اتخاذ قرارات مهمة تعمل على بلورة صورة المواطن، ومنها اللغط الذي حصل حول معاداة إسرائيل وتدخل جمعية “أديان” في صياغة المناهج. كذلك بات الوزير يتدخل في مهمات المركز الذي بات مجرد أداة لتحقيق ما يريده. المركز ينفذ بلا اعتراض على عشوائية الإلغاءات والزيادات وغياب منهجية العمل.