ليس لبنان فقط بين دول محور الممانعة من يعاني أزمة في الكهرباء فهذا هو الحال في سوريا والعراق واليمن وحتى في إيران، وطبعاً ينسحب هذا الأمر على أوضاع اقتصادية متدهورة لهذه الدول، وهذا الأمر ليس صدفة بل هو في أساس وجود هذا المحور لجهة إشغال الناس في كيفية البقاء على قيد الحياة فينصرفون عن مواجهة الطبقة المتسلطة على البلاد والعباد.
في لبنان لن تكون هناك كهرباء طالما يسيطر هذا المحور على البلد والدولة. فتركيب العدّادات الذكية دونه عوائق مثلاً في العديد من المناطق، بحجة أن العدو الإسرائيلي يمكنه اختراق هذه العدّادات ومعرفة تفاصيل عن منازل ومؤسسات تابعة لـ»حزب الله» وعناصر ومسؤولين فيه، كما أن نزع التعديات يستلزم تحريك الجيش والقوى الأمنية خوفاً من فائض القوة الموجود عند المعتدين على الشبكة في مختلف المناطق اللبنانية، والخشية هنا من أي صدام يمنع حملة فاعلة لنزع التعدّيات والأهم هو ألا يعود التعدي إلى الواقع مجدداً بعد نزعه، وهذا الأمر فيه استحالة إن لم تركب العدّادات الذكية.
في الجباية أيضاً القضية مماثلة فإن لم يحصل المواطن على الكهرباء في شكل قانوني فلن يكون بإمكان مؤسسة كهرباء لبنان أن تصدر فواتير للطاقة المستهلكة وجبايتها، وبالتالي ستذهب هذه الطاقة في سياق الهدر غير التقني وتكبر الخسارة يوماً بعد يوم، ولا سيما أن كهرباء لبنان تبيع الكيلوواط بشبه المجان ولا قدرة لها لا على رفع التعرفة ولا على الفوترة والجباية، وكل الحجج التي يسوقها البعض لرفض خطط الكهرباء ليست سوى ذريعة للإستمرار في التعدي على الشبكة الكهربائية وسرقة التيار مهما كانت ساعات التغذية محدودة، والمفارقة أن هؤلاء ومن يدعمونهم يسددون ما يتوجب عليهم للمولدات من دون تردد، ولكن المهم بالنسبة إليهم هو ألا يدفعوا إذا أمكن أي فلس لدولة لا يعترفون بوجودها.
يفترض بوزير الطاقة وليد فياض أنه مدركٌ هذا الواقع، وانطلاقاً منه ستفشل كل مساعيه لتأمين المزيد من الطاقة من الأردن ومصر ولزيادة الإنتاج في لبنان عبر معامل جديدة، لأنه ببساطة لن تتوفر الأموال لكل هذه العملية حتى ولو أعلن البنك الدولي وغيره نيته بالتمويل، فالدولة بقدراتها المالية وأوضاعها النقدية لا يمكنها أن تنفذ أو تضمن مشاريع لإنتاج الكهرباء، كما أنها لا تستطيع أن تشتري الطاقة من أي منتج إن لم تلجأ إلى رفع التعرفة وهذا أمر مستبعد في ظل دوامة لا مخرج منها وهي: لا زيادة تعرفة قبل زيادة ساعات التغذية ولا زيادة لساعات التغذية قبل توفر الأموال لشراء او إنتاج طاقة كهربائية، ولا أموال إن لم تزد التعرفة.
خطة وزير الطاقة وليد فياض ستنضم إلى الخطط التي سبقتها في أرشيف الوزارة، فالمشكلة ليست مشكلة تقنيات بل هي مشكلة سياسية وصراع مصالح ونفوذ، يمتدّ من وزارة المال إلى وزارة الطاقة وقد أصبحت كل واحدة منهما مرتعاً لفشل سياسي أصاب ويصيب بتداعياته اللبنانيين جميعهم.