IMLebanon

التشديد على كثافة المشاركة في الانتخابات يمهد للاستحقاقات الآتية

عبرت المرحلة الثالثة من الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظتي الجنوب والنبطية يوم أمس، بسلام، ولم تخرج عن سياق ما كان متداولاً في الأيام الماضية… من دون ان يعني ذلك عدم وجود بعض الثغرات اللوجستية..

ليس من شك في ان هذه الانتخابات ابتداءً من بوابة الجنوب، صيدا الى شبعا وسائر قرى وبلدات الشريط الحدودي، مروراً بقرى وبلدات العرقوب – كانت في جانب كبير منها سياسية بامتياز.. والافرقاء كافة أرادوها فرصة لاثبات الوجود تأسيساً لمرحلة آتية لن تكون أقل تحدياً تتمثل بالانتخابات النيابية، التي بدأ الرئيس نبيه بري يعد العدة لها، ولو عبر «قانون الستين» ان لم يكتب لسائر الاقتراحات ان تبصر النور وهي بين يدي اللجان النيابية المشتركة، حيث لكل فريق حساباته ومصالحه، وان اوحت بعض التسريبات ان احتمال العودة الى «مؤتمر تأسيسي» بات وارداً عبر ما أسماه الرئيس بري «الدوحة الثاني»..

منذ الأيام الأخيرة التي سبقت موعد اجراء الانتخابات البلدية والاختيارية بدا لافتاً اصرار «الاقطاب» على حشد أكبر نسبة من المقترعين.. فالأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله، وفي كلمة له بذكرى اسبوع على استشهاد القائد مصطفى بدر الدين، شاء ان يختم كلمته بالدعوة الى أوسع مشاركة في الاقتراع، وان كان على يقين بأن نجاح التحالف الثنائي بينه وبين الرئيس نبيه بري (أمل)، أمر محسوم في الغالبية الساحقة من البلدات والقرى الجنوبية.. لكن المسألة، بالنسبة الى السيد نصر الله، كما ولاحقاً بالنسبة الى الرئيس بري تجاوزت مسألة الفوز لمجرد الفوز، الى حجم المشاركة، التي باتت بالنسبة اليهما، كما بالنسبة لتيار «المستقبل» في صيدا، مقدمة على ما عداها..

«العرس الجنوبي» لا يستقيم بدون «اقتراع بكثافة».. ولا يكفي ان يسلم الجنوبيون بفرضية ان نجاح لوائح «الوفاء والتنمية» (من «حزب الله» و»أمل»)، أمر مسلم به، فالمطلوب أبعد من ذلك، وهو الحصول على خيارات واضحة من قبل الناس، لا ان يسلم هؤلاء بأن النجاح أمر حاصل ليعتكفوا في منازلهم ويسلموا بـ»الأمر الواقع».

أخشى ما يخشاه السيد نصر الله، كما الرئيس بري، كما «المستقبل» ان تسقط مسلمة النجاح حجم المشاركة المطلوب وبكثافة.. فالأفرقاء جميعاً يتطلعون الى الانتخابات البلدية والاختيارية التي جرت كمرحلة تؤسس لمرحلة لاحقة، وهي من يملك الغالبية الشعبية في الاستحقاقات اللاحقة، وتحديداً النيابية منها.. التي وعلى ما يظهر تبدو أنها باتت أقرب للتحقق في موعد لن يكون مرتبطاً بانتهاء ولاية المجلس الممدد له مرتين.

والرئيس بري، يتطلع، كما بعض حلفائه، الى اجراء هذه الانتخابات أياً كانت الظروف والاعتبارات، وقد جاءت الانتخابات البلدية والاختيارية لتشكل ادانة واضحة لكل الأسباب التي بني عليها سابقاً أسباب تمديد ولاية المجلس النيابي مرتين،  رغم ان القلق من التطورات الاستثنائية أمنية كانت أم غير أمنية، داخلية أم خارجية، أرفع مستوى مما كان عليه يوم أجمع النواب على تمديد ولايتهم..

وبعيداً عن الشعارات التي اسبغت على الانتخابات البلدية هذه السنة ابتداءً من بيروت الى البقاع الى الجنوب ولاحقاً الى الشمال، الاسبوع المقبل، فإنها تبقى شعارات تخفي وراءها مشاريع، يشدد أصحابها على وجوب تجنب الخروقات، والتزام اللوائح التي جرى «التفاهم» عليها، لاسيما بين «أمل» و»حزب الله» تحت عنوان «التنمية والوفاء»..

اراد بري ان تكون انتخابات أمس «عرساً وطنياً»، بكل ما لهذه الكلمة من معنى وهو من اجل ذلك، وضع و»حزب الله» ثقلهما السياسي والاعلامي والتنظيمي والبشري في سبيل الوصول الى هذا الهدف، حيث ان النجاح، تحت اسقف متدنية من المشاركة الشعبية، سيكون رسالة بالغة الخطورة بالنسبة الى الفريقين، اللذين يعتبران «ان الجنوب في الجيب.. لكن المطلوب أوسع مشاركة شعبية»؟!

ما يصوب عليه الرئيس بري، على ما قلنا، هو الاستحقاقات المقبلة، التي لم يعد بالامكان التعامل معها وكأنها مستحيلة التنفيذ، فالعوامل التي تجمعت لدى رئيس المجلس كما سائر الافرقاء تحتم وجوب اجراء هذه الانتخابات.. وان كان الاختلاف حول الأولويات لايزال قائماً، انطلاقاً من قاعدة أيهما أولاً: الانتخابات النيابية، أولاً، ووفق أي قانون؟ أم الانتخابات الرئاسية؟

اللافت يوم أمس ما قاله وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق وهو ان الفراغ الحقيقي في المؤسسات، ليس في مجلس النواب بل في رئاسة الجمهورية، الأمر الذي اعتبر رداً واضحاً على الفريق او الافرقاء الذي يتمسكون بأولوية الانتخابات النيابية من أجل خلطة سياسية – نيابية جديدة، قد تؤدي الى خلطة جديدة غير تلك القائمة وتنزع من يد هذا الفريق او ذاك ورقة التحكم بالنتائج، وهي مسألة تنبه لها عدد من الافرقاء المعنيين، وهم بادروا الى التمسك بأولوية الانتخابات الرئاسية، والباقي يأتي لاحقاً..

في مطلق الأحوال، لقد شكلت المرحلة الثالثة من الانتخابات النيابية والاختيارية يوم أمس مناسبة لاطلاق مقولة ان اللبنانيين مشتاقون للعودة الى تقرير مصيرهم بخياراتهم وفتح الباب من جديد أمام العودة الى الديموقراطية السليمة والمعافاة، والمحررة من ضغوط الطائفة والمذاهب و»العشيرة» و»العائلة، واولا قبل كل شيء ضغوط المال والتأثيرات الخارجية، دولية كانت أم اقليمية أم عربية..