IMLebanon

التمديد ضرر لا بد منه.. والفراغ مرذول

الحجج كثيرة والمطلوب واحد: الحفاظ على التوازن السياسي

التمديد ضرر لا بد منه.. والفراغ مرذول

حتى لو مارست القوى السياسية كل أساليب الغنج والدلال كي لا تقرب نار التمديد برجليها، أو بالأحرى كي لا تظهر أمام جمهورها بأنّ لعابها يسيل أمام فكرة إقفال صناديق الاقتراع لسنتين وسبعة أشهر إضافيين، فهي ستتجرع هذا الكأس.. والابتسامة على ثغرها.

التمديد للمرة الثانية على التوالي، حاصل. في جلسة 21 الجاري، يفترض أن يكون الموعد ليصير التمديد حقيقة، بعد أن يستعجل المجلس نشر القانون ضمن مهلة خمسة أيام. إذاً، لا مفر من قدر يفرضه أهل الحل والربط على ناسهم، تحت حجج وعناوين كثيرة. لكن المطلوب واحد: الإبقاء على التوازن السياسي ذاته تحت قبة البرلمان وهو الذي أرساه اتفاق الدوحة، وتعجز إرادة التغيير عن محوه.

التمديد صار مفعولاً لأن فريقين أساسيين في البلد يفضلان حصوله، أولهما «تيار المستقبل» لاعتبارات ترتبط بوضعية سعد الحريري «المجهول الإقامة» والذي يعاني من تآكل بنيوي يهدد حضوره الشعبي، إلى جانب «الضائقة المالية» التي تمنعه من فتح «أكياس الدراهم» على مصراعيها. أما الثاني فهو «حزب الله» المنشغل في القتال على جبهاته المتعددة، فيما يخشى إيقاظ السجال السني ـ الشيعي في حال أطلقت ألسنة المنابر للتحشيد الانتخابي.

ولكن حتى في صفوف المتحمسين لإنعاش صناديق الاقتراع، هناك من ينبش أسباباً موضعية تدفع به إلى اللجوء لخشبة التمديد تمسّكاً بكرسيه ولوحته الزرقاء. يقول أحد النواب المسيحيين من قوى «14 آذار» بصريح العبارة، وهو الذي لا يمانع فريقه من الاحتكام إلى أصوات الناخبين، إن «داعش» وأخواته هم الناخب الأول في الانتخابات في ما لو أجريت في موعدها، وهو الذي سيقود المسيحيين إلى صناديق الاقتراع، وبالتالي هو الذي سيعيد تكريس زعامة ميشال عون على الشارع المسيحي لأنه سيثبت صحة خياراته. فلماذا الرهان على امتحان سيفشل حكماً؟

عملياً، تكثر الأسباب لكن التمديد واحد، حتى لو استغل المسيحيون هذه الثغرة ليتباروا في ما بينهم على حلبة المزايدات، ويرفعوا من سقوف مواقفهم، لكنهم طبعاً لن يتمكنوا من جرّ حلفائهم إلى حيث لا يريد هؤلاء. ورقة الانتخابات احترقت بالكامل ولم يعد لها مطرح على طاولة النقاش الجدي.

هكذا لا يمكن للسجال البيزنطي الحاصل أن يوصل المجلس إلى حال الفراغ نتيجة الصراع حول إجراء الانتخابات أو عدم إجرائها، مع أن هناك من يتخوف من أن يوصل اللعب على حافة الهاوية البرلمان إلى نفق الفراغ أسوة بالرئاسة الأولى التي اجتاحها الغبار، فتكبر كرة الأزمات، ويصير حلها مرتبطاً باتفاق كبير لا بدّ منه كي تخرج البلاد من عنق الزجاجة.

إلا أن سياسياً مطلعاً ينفي هذا السيناريو جملة وتفصيلاً بالتأكيد أن الإبقاء على مشروعية مجلس النواب هو حاجة ضرورية جامعة لكل الكتل السياسية على اختلاف حساباتها، سواء أأعجبوا بدستورية التمديد أم طعنوا بها.

بتقديره، أنّه لا مفر من التقاط كرة التمديد النارية، لأنّ البديل عنها هو تجرّع سمّ الفراغ، وهو أمر مرذول من جانب القوى السياسية، لاعتبارات كثيرة تطال أصغر المسائل، كما أكبرها؛ إذ على سبيل المثال، ستصبح كل المالية العامة مهددة، سواء لجهة التزامات لبنان الدولية أم الداخلية المتصلة برواتب موظفي القطاع العام بشكل أساسي، إذا تعرض مجلس النواب لعطب الشلل. كما أنّ احتمال انتخاب رئيس للجمهورية من جانب هذا المجلس سيصبح معدوما إذا تعطّلت دستوريته وصار «مجلساً سابقاً»، وبالتالي ليس من مصلحة أي ماروني مرشح للرئاسة ضرب هذا المجلس وهدم بنيانه الدستوري.

ويرى أنه حتى لو لامست الأزمة حدود البحث عن صيغة جديدة للحكم تقوم على أنقاض الصيغة القائمة التي استنزفت قواها وأكلت كل مؤسساتها الدستورية، فإن الحاجة إلى مجلس نواب لا تعوّض، إذ برأيه إن أي صيغة جديدة ستكون عبارة عن اتفاق سياسي بين المكونات اللبنانية، لن يتحول إلى بنود في الدستور إلا بعد انتقاله إلى «مذبح» مجلس النواب ليصير ورقة مكتوبة تعدل الدستور القائم. وهنا أيضاً.. لا بدّ من مجلس كامل الصلاحيات.