IMLebanon

«تمسحة» وعيون من زجاج؟!

لا يحق للحكومة، مجتمعة، او بالمفرّق، بصفتها حكومة، ورئيساً للجمهورية، ان تأخذ قراراً، يؤدي الى سفح دم دركي او جندي او مواطن عادي، خطفوا على يد مجرمين عاديين، او مجرمين تكفيريين، كما لا يحق لاي وزير او نائب او مسؤول او حزب، ان يستخدم حق النقض – الفيتو – الذي اعطي له، خلافاً للقانون والدستور، والمنطق، والعدل، والحق، في عرقلة الافراج عن مخطوف، كائنا من كان هذا المخطوف، فكيف اذا كان جندياً او دركياً، او ضابطاً، نذروا حياتهم ودماءهم لخدمة وطنهم، وليس ليهانوا ويعذّبوا، ويصبحوا، بسبب السيف المصلت على اعناقهم، اداة لخدمة اغراض الخاطفين واهدافهم.

هذه الحكومة اخلّت بهذه المبادئ والثوابت، لعجزها الخاضع لإملاءات افرقاء في داخلها يختلفون على كل شيء، ويتفقون على استباحة دماء هؤلاء الابطال الذين يعيشون الجحيم على الارض.

التكفيريون الدمويون الذين يذبحون ويقتلون ابناءنا، اتفق جميع اللبنانيين على انهم وحوش بشرية، فكيف نساعد هؤلاء، بعجزنا المخزي، وحساباتنا السياسية والاقليمية، وضعفنا امام اخذ القرار الشجاع، على التنكيل بجنودنا اياماً وشهوراً، وتركهم تحت رحمة السفاحين بدلاً من العملقة في الموقف والتصرّف، وفعل المستحيل لانقاذ الاخيار من قبضة الاشرار، والاقتصاص منهم عندما تسنح الفرصة.

اطلقوا الوحوش البشرية، من السجون اللبنانية، واجعلوهم هدفاً مشروعاً للملاحقة والقتل، هم ومن مثلهم، واربحوا حريّة الحركة والفعل، بدلاً من ان تتكبلّوا بشروط المجرمين، ولكن من المعيب ان تحمل الحكومة ووزراؤها، دم الشهداء، بلا سبب معقول اومقبول من اللبنانيين، لان اللبنانيين في اكثريتهم الساحقة واتحدّى الحكومة ان تنظّم استطلاعاً للرأي حول هذا الموضوع – يريدون ان يعود الجنود الى اهلهم وبيوتهم ودولتهم، بالقوة اذا كان هو المستطاع، وبالمقايضة والمال اذا لزم الامر، ولكن ان تبقى الحكومة رمزاً «للتمسحة»، والعين الزجاج، فهذه جريمة لا يمكن القبول بتماديها.

***

على «سيرة التمسحة» اتصل بي امس صديق على «فيسبوك»، أحبّ ان يعلّق على مقالة يوم الاثنين، وقال لي بعد ان ابدى اعجابه مشكوراً بما كتبت، ان تعبي وكتاباتي وصرختي، هي كما غيرها من الكتابات المماثلة، اشبه بطبقة النفناف التي لا تعلق بالارض، وتذوب بعد لحظات، ليس لانها غير مفيدة وغير حقيقية، وغير صادقة، بل لان الدولة كلها، وبما فيها، تحوّلت الى تمساح، «بتعرف شو يعني تمساح» يعني جلد سميك «متمسح» وعيون من زجاج، لا تشعر ولا ترى، ولا تحسّ، البلد يفرغ في مؤسساته الاساسية، ويفرغ من ابنائه الشباب المتدفقين على ابواب السفارات، والذين هاجروا، فراغ في الاخلاق، وفراغ في الامن، وفراغ في السياسة، وفراغ في الحكم، وفراغ في الاقتصاد، اينما ذهبت هناك فراغ، باستثناء اماكن الدعارة والتحشيش، والادارات التي تزوّر المعاملات، ومع ذلك الدولة ومعظم الوزراء، والسياسيين، «متمسحين» لا يرّدون على نصيحة، ولا على تنبيه، ولا على تحذير بأن البلد يسرع نحو الهاوية، فهل بعد هذا كلّه يا صديقي – والكلام للمتصّل – تريد، انت «وكم صحافي متلك» ان يقوّموا المقتاية.

***

احزنني كثيراً هذا الاتصال، واخافني في ذات الوقت، ليس لانني اجهل وضع البلد المترّدي، من رأس الهرم الى القاعدة، بل لان النضال من اجل القضية، وانقاذ لبنان من الهلاك، بدأت جزوته تضعف، ويحلّ محلها التصلب والاستسلام، حتى عند الذين امضوا عمرهم يناضلون من اجل لبنان ومجده وشعبه، وكل ذلك بوجود مسؤولين وسياسيين، وقياديين، «تمسحتهم» المصالح الخاصة، وقزّمتهم المناصب، ولم يعودوا يروا بعيونهم الزجاج انهم يغرقون مع غرق الدولة والكيان.