IMLebanon

صقور البنك الدولي في بيروت مستطلعين: لا توطين والأموال تتحرك وفق وجهتها

في غمرة التطورات التي ضغطت بشدة على المشهد السياسي على وقع الإجراءات الخليجية في حق لبنان وفي حق “حزب الله” تحديداً، لم تحظ زيارة وفد رفيع من البنك الدولي لبيروت بالاهتمام المحلي الكافي رغم ما تنطوي عليه من اهمية وما تعكسه من حرص دولي على مواكبة من قرب للوضع اللبناني وارتدادات أزمة اللاجئين على مجتمعه واقتصاده.

هي المرة الاولى ربما التي يزور فيها وفد من البنك الدولي يضم تسعة من صقور مجلس المديرين يمثلون 70 دولة. والهدف هو الاطلاع عن كثب على الوضع اللبناني الرازح تحت وطأة اللاجئين، ومطابقة التوصيف الوارد في الأوراق اللبنانية مع الواقع على الارض.

وبالفعل، أتيح للوفد في اليوم الاول لزيارته، زيارة طرابلس حيث تفقد مواقع للاجئين، فضلا عن زيارة لحي التنك لمعاينة اوضاع اللبنانيين والتأثر الشديد للمجتمعات المضيفة باللاجئين في واحد من أكثر النماذج تعبيرا عن هذا الواقع.

بعد لقاءات رسمية مع رئيس الحكومة تمام سلام ووزير المال علي حسن خليل، حرص المديرون التنفيذيون على الاستماع الى وجهات نظر القطاع الخاص وهيئات المجتمع المدني والأكاديمي والخبراء الاقتصاديين في جلسة خاصة عقدت في مقر المؤسسة الدولية في بيروت وشاركت فيها ” النهار”.

لم تختلف المقاربة اللبنانية للأزمة كثيرا لجهة التوصيف او اقتراحات الحلول التي تعددت وراوحت بين التركيز على النمو وتطوير البنى التحتية والتعليم وصولا الى دعوات الى إقامة مناطق آمنة داخل سوريا لتخفيف اعباء اللجوء على الاقتصاد وعلى العمالة اللبنانية.

لكن الأهم كان في المقاربة الدولية لهذه الأزمة ولموقع لبنان فيها، حيث أمكن الخروج بمجموعة من الخلاصات تؤشر الى ما سيكون عليه مسار هذا الملف في المستقبل:

– ان مستوى الوفد والتمثيل فيه يشكل نقطة مهمة في رصيد لبنان باعتبار ان أعضاءه الذين يمثلون 70 بلداً داخل مجلس إدارة البنك ويصنفون بصقوره ومن بينهم ممثلون للولايات المتحدة الأميركية وروسيا وألمانيا وسويسرا وأوروبا، قادرون على ان يشكلوا عنصر ضغط على المستوى التقريري. ومعلوم ان البنك الدولي يشكل الذراع المالية التي ستلجأ اليها الدول المانحة لتسييل مساعداتها للبنان.

– تحول موضوع اللاجئين السوريين من مسألة ذات بعد إقليمي إلى مسألة عالمية، تماماً كما حصل في ملف المناخ الذي أصبح هماً عالمياً، وبات بالتالي، يستدعي حلاً عالميا وليس إقليمياً. ومن هذا المنطلق، كان اللجوء الى البنك الدولي باعتباره الذراع الدولية في مجال التنمية بعدما تجاوزت أزمة اللاجئين الاستجابة للحاجات الانسانية، وبلغت مرحلة متقدمة تتعلق بالحاجات التنموية والبنى التحتية. ولعلها المرة الاولى التي يخرج فيها البنك الدولي عن مهماته التنموية ليهتم بأزمة لاجئين التي هي أساسا من صلب مهمات المنظمات الدولية الانسانية.

– ركز الوفد اهتمامه على الاطلاع على آليات التمويل الميسر المطلوب تقديمه الى لبنان في إطار تنفيذ توصيات مؤتمر لندن الاخير الذي سيتولى البنك الدولي جزءا منه، فضلا عن الآخر المتعلق بالتمويل الثنائي بين لبنان والبنك. وفي حين يعي أعضاء الوفد أن أهداف البنك الدولي التنموية تركز على الدول الفقيرة، ولبنان ليس مدرجاً في هذا التصنيف، ما يدفع هؤلاء إلى كسر سياسة البنك بهدف تأمين التمويل المطلوب للبنان من خارج هذا التصنيف.

وأهمية الوفد انه قادر على ان يشكل لوبياً حقيقياً مع لبنان إذا اقتنع بالحاجة الى ذلك، لأن الاعضاء الزائرين إذا أعطوا الاشارة بقروض ميسرة فإن الامر يتحقق.

– يعي أعضاء الوفد حجم التحديات السياسية التي يواجهها كل من لبنان وسوريا، كما يعون في شكل متقدم أكثر التحديات الديموغرافية مع عمليات النزوح الكثيفة التي غيرت وجه سوريا ومن شأنها أن تغير وجه لبنان إذا لم يتم التعامل معها بمقاربة عملية وواقعية وواضحة. وهم إذ يتفهمون الضغط الهائل الذي يتعرض له لبنان من جراء هذا الملف والمشاكل الناجمة عنه، يؤكدون نقطتين أساسيتين: الاولى أن الهواجس المتعلقة بمحاذير التوطين ليست في محلها وليست مطروحة لدى الاسرة الدولية. وأي كلام يطرح عن عملية انخراط السوريين في المجتمعات المضيفة لا يعني بالضرورة أن الهدف منه إبقاء هؤلاء في هذه المجتمعات، بل تسهيل تأقلمهم وتكيفهم مع البيئة الحاضنة لهم إقتصاديا واجتماعيا، في انتظار توافر شروط العودة الآمنة لهم.

اما النقطة الثانية، فتتعلق بتأكيد الدعم الدولي والحرص على استقرار المجتمع اللبناني واقتصاده، لكن هذا يتطلب في المقابل وضوحا في الرؤية لدى السلطات اللبنانية الرسمية لكيفية الافادة من الدعم المتوافر سياسياً ومالياً قبل فوات الاوان لأن الاهتمام الدولي بلبنان اليوم يأتي من البوابة السورية، وهذا أمر على اللبنانيين إدراكه قبل أن تضيع الفرصة المتاحة امامهم لتحسين ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية.

وفي الخلاصة، غادر الوفد الدولي لبنان مع تقويم وانطباعات ستساعده في وضع تصوره وآلياته لتسييل الاموال المعقودة لملف اللاجئين في مؤتمر لندن والتي يفترض ان يفيد منها لبنان والاردن إنطلاقا من الحاجات التي سيرى الوفد أنها تستحق الاولوية.