IMLebanon

«موضة» الاستفزاز.. على «خشبة» النظام

«تشبيح» سوري واضح كانت وجهته اسبوع الموضة اللبناني، هذه المرة. فبعدما اندحر جيش بشار الاسد في 26 نيسان من العام 2005 عن الاراضي اللبنانية، عاد الى وسط بيروت «متمخترا» على منصات خشبة عروض الازياء النسائية، في ختام عرض «آلهة الياسمين» للمصممة السورية منال عجاج، التي اعادت الخطوة الى سياق «دعم بلدها وايصال صورته الى المحافل العربية والدولية».

هكذا سمحت مصممة العرض ومخرجه (عبد المنعم العمايري) لنفسيهما بارسال تحية للجيش السوري من بيروت، خلال مشاركتها في فعاليات Designers & Brand fashion shows التي تنظمها شركة L.I.P.S Management في بيروت. بيروت التي اجتاحها الجيش السوري ودمرها وقتل أهلها، واعتبرها لاكثر من ثلاثين عاما مدينة تابعة لعاصمته دمشق، وحكم اهلها وحكامها بالبطش والقمع والسرقة والتهديد والقتل، بيروت، وكل لبنان واللبنانيين الذين تعالوا على أزماتهم الحرجة وواجهوها، وغلّبوا حسهم الانساني على مصالحم الوطنية واستقبلوا ما يفوق قدرتهم بكثير اعداداً طائلة من النازحين السوريين الهاربين من اجرام الجيش السوري النظامي نفسه، أصرّ القائمون على العمل تسخير ارض بيروت ومناسباتها الراقية ذات الصيت العربي الايجابي تحديدا، لدعم جيش الاسد، ليلة الثاني عشر من تشرين الاول اي قبل يوم واحد من ذكرى اجتياح الجيش السوري للقصر الجمهوري اللبناني في بعبدا و»مصفياً» عشرات الجنود اللبنانيين، ودفنهم في الاراضي المحيطة للقصر واخفاء اي معلومة يمكن ان تكشف مصيرهم.

ختام عرض مسموم وتافه لعب على الحساسيات التي لم تندمل عند اللبنانيين، وبطريقة مشبوهة عبر اثارة ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، اضافة الى انه لم يكن واضحاً صراحة، كم ان هذه التحية هي فعلاً تكريم للجيش السوري وصبّت لمصلحته استنادا الى رغبة عجاج. فالعرض، والحق يقال، جمّل صورة الجيش السوري الغارقة بدماء شعبه، الا انه قدم له اهانة موصوفة عجز اكبر معارضيه عن ابتكارها. بذة الجيش السوري الرسمية تتداخل مع فساتين النساء البراقة، متمايلة على وقع الموسيقى الصاخبة وأجساد العارضات على المنصة، مع الاكسسوارات اللازمة بدءا من التبرج الفاقع وصولا الى تأدية التحية العسكرية الرسمية مرفقة بضحكة عارمة للعارضين، وسط تقدم المصممة «العالمية» كما وصفها الاعلام السوري، التي لم يسمع أحد باسمها من قبل لا في لبنان ولا في اي دولة في العالم، على المنصة ملوحة بيديها للجمهور المتفاجىء من المشهد.

أتت عجاج ببذات جيشها الرسمي الى منصات العرض البيروتية، قادمة من سوريا، متوقعة ان يرفعها اللبنانيون على الراحات، تحت عنوان «الوطنية» التي اظهرتها في اختتام عملها الفني، وهي مراهنة على ضعف ذاكرة الناس او استسلامهم لمشيئة «بقاء الاسد في السلطة»، لاعبة اخيرا على الانقسامات اللبنانية التي تظن ان بوسعها حمايتها، الا ان الحملة الاعتراضية العارمة التي انطلقت ضد العرض وما تضمنه كانت واضحة، وأتت بمثابة الخطوة التحذيرية لأي خطوة مماثلة في المستقبل.

بالطبع، في الوضع الحالي لا يحق لعجاج ان تختتم عرضها محيية الجيش السوري من بيروت، بل ينبغي ان تحترم تاريخ هذه المدينة، والذكرى الدموية لإجرام هذا الجيش وقادته، والأهم ان تعرف جيدا حدود خطواتها المسموحة وان تلتزام بها. فلا يمكن لتلك المصممة السورية ان تمحو آثار جرائم جيش بلادها المتغلغلة في المدينة، في نفوس اهلها وعمرانها وشوارعها التي استشهد فيها آلاف المدنيين الهاربين من قصف المدفعية والراجمات السورية، كي تعود وتحيي هذا الجيش وكأن شيئا لم يكن. بل وأكثر، فان خطوتها تدل على تأييدها الواضح لكل ما ارتكبه الجيش السوري من جرائم على مدار الثلاثين عاما في بيروت، ليس اللبنانيين الذين يكافأون على انسانيتهم وصمودهم في وجه الاحتلال السوري بهكذا استفزاز دنيء.