IMLebanon

6 شباط الانقلاب على الدولة

6 شباط 1984؛ لم يكن أيّ لبناني ليصدّق أنّ هذا التاريخ إيرانيّ بامتياز، ظلنا لعقود نظنّ أنّه لحظة استعادة للسيطرة السوريّة على القرار اللبناني تمهيداً لعودة جيش الاحتلال السوري الذي طرده جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإذا به مسار إيراني ناعم لاحتلال يتحرّك من قلب احتلال آخر، بعد اثنتين وثلاثين عاماً تحوّل 6 شباط إلى تاريخ طويل من مسار الإنقلاب على الدولة، بصرف النظر عن الأحداث التي نفّذ الانقلاب تحت ذريعتها، لا شيء يأتي بالصدفة مع إيران ولا مع حزب الله الحاضر ـ الغائب عن الصورة عام 1984، الحاضر بقوّة في 6 شباط 2006، حتى كرّست إيران الخميني شباط  شهرها المفضّل إلى شهر دفع لبنان ثمنه انقلاباً أسود واغتيالاً دموياً في تاريخ لبنان الحديث.

لا شيء يأتي بالصدفة مع حزب الله ولا مع إيران، تكريس الانقلاب على الدولة اللبنانية مرّتين خلال اثنين وعشرين عاماً منذ العام 1984 وحتى العام 2006، وللمفارقة سيحضر اسم حسن نصرالله بقوّة، هو نفسه أمين عام حزب الله اليوم كان قد اتخذ مسجد الرسول الاعظم في الرمل العالي قاعدة للتعبئة والتأطير، وهو نفس المكان الذي اندلعت منه شرارات المواجهة مع الدولة وانقسام الجيش لاحقاً ما بين جيش لبناني و»لواء شيعي سادس»، وما أشبه اليوم بالأمس فإذا كان كثيرون أرخوا لانطلاق الحركة الخمينية في لبنان بالحادثة التي نجمت عن تظاهرة مسجد الرسول الاعظم. في عهد الرئيس أمين الجميل الذي بدأ بإزالة المباني والأحياء السكنية غير الشرعية في منطقة الرمل العالي، التي ما زالت خارجة على الدولة ومستعصية على القوى الأمنية في وقتنا الحاضر بما يسمّى «الأهالي» من النساء والأطفال، منظومة متكاملة من الانقلاب على الدولة من اللحظة التي توهّم فيها اللبنانيون بعد انزياح الاحتلال الفلسطيني عن صدر لبنان بأن الدولة عائدة بعد انقضاء أعوام ثمانية على اندلاع الحرب الأهليّة!!

في أول تجربة فعليّة لوهم استعادة الدولة في عهد أمين الجميّل، وما إن بدأت آليات الجيش اللبناني بهدم بعض المنازل المخالفة في الرمل العالي المحاذية لطريق المطار، حتى تجمع قسم من الأهالي في مسجد الرسول الأعظم ، اتهم الجيش بالقصف في اتجاههم، وقيل إنّ الجيش رد على مسلحين أطلقوا عليه النار من المسجد، اليوم بإمكاننا التأكد بأنّ رواية الجيش هي الصحيحة…

بالتأكيد الاحتلال الإيراني لم يكن يملك صلة وصل جغرافية مفتوحة حقيقيّة بين طهران والضاحية، لذا بدا الاحتلال السوري نافراً يومها وكأنّه صاحب اليد الطولى بانقلاب 6 شباط العام 1984 من أنّ جيش الاحتلال السوري لم يتمكّن من العودة إلى بيروت إلا في شباط العام 1987، اليوم بات واضحاً حجم تغلغل المشروع الإيراني في لبنان ومنذ عودة الخميني إلى طهران والمشروع قائم على قدم وساق وحتى هذه اللحظة…

لا يستطيع أحد أن يُنكر دور مشايخ من الطائفة السُنيّة في العمالة للمخابرات السوريّة وتسخير منابر بعض المساجد لحسابها بالتحريض الطائفي والتخويف بالمذاهب والحديث عن «السواطير» و»البلطات» في الكنائس والأديرة، وفي الدامور بالتحديد، والتحريض على الجيش اللبناني، واشتهر اثنان من هؤلاء المشايخ تناوبا على بثّ الذعر والتخويف في قلوب اللبنانيين المسلمين مستفيدين من رُهاب مجزرة صبرا وشاتيلا فأطياف القتلى كانت ما زالت حاضرة، كان أثير إذاعة المرابطون يبعث على الكآبة والخوف كلّ يوم جمعة، ومن مفارقات 6 شباط 1984 أنّ أول من ذهب ضحيته تنظيم المرابطون وكثير من المنتمين إليه يومها من أبناء الطائفة الشيعية وتمّ قتلهم في شوارع بيروت، أو استهدافهم بالرصاص وتركهم ليموتوا نزفاً حتى الموت، البعض ما يزال يذكر صراخهم مستنجدين بالقول: «نحن شيعة»، ودفعت الإذاعة التي تبنت مشروع الانقلاب على الدولة الثمن غالياً على يد حركة أمل التي أحرقتها في مقرّها في مسجد جمال عبدالناصر.

الانقلاب على الدولة مستمر، بعناوين أخرى، وبنفس الأدوات والأسماء، ولكن للتاريخ كانت سنوات الـ 84 و85 و86 و87 سنوات شديدة السوداوية والدموية في عمر بيروت الغربية، التي دفعت هي والطائفة السُنيّة ثمناً فادحاً من أمنها وأمانها وبيوتها وأعمار أبنائها على يد ميليشيات الانقلاب على الدولة بقناعيها السوري والإيراني آنذاك، واللبناني ـ الإيراني حالياً!!