IMLebanon

 في البحث عن إعلام بديل

 

الوسائل التقليدية، ومن ضمنها القنوات الفضائية التي احتلت المشهد الإعلامي بين تسعينات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تعيش أياماً صعبة، ليس فقط بسبب تراجع اهتمام المستثمرين والممولين، بل أيضاً بالنظر إلى صعود الوسائط المعتمدة على شبكة الإنترنت. تضافرت المعطيات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية، من جهة، وغياب القدرة على الابتكار والتجديد والعثور على نماذج جديدة ناجحة، من جهة ثانية، في وصول الكثير من وسائل الإعلام العربية إلى حائط مسدود. انهار بعضها في مواجهته ويعاني قسم آخر سكرات الموت، ويسعى قسم ثالث في البحث عن مخارج مركبة، مالية ومهنية من دون نجاح كبير حتى الآن.

 

الإعلام الرسمي العربي ليس في حال أفضل من ناحية الأزمة المهنية والافتقار إلى المضمون النوعي. بيد أن الاعتماد على الموازنات الحكومية وحاجة الدول إلى أصوات وصور وأقلام تنقل أراءها وتعممها وتدافع عنها، يرجئ أزمة الإعلام الحكومي من دون أن يخرجه من حالة التكلس الشبيهة بالموت السريري المستمر منذ عقود.

 

ثمة ما ينبغي الالتفات إليه في هذا المجال وخصوصاً مسألة الجمهور. الأكثرية من وسائل الإعلام لا تأخذ في الاعتبار التغييرات الكبيرة التي يشهدها جمهورها بعد أعوام من التأسيس. فهو يزداد عمراً ونضجاً وخبرة فيما تظهر أجيال جديدة من القراء أو المشاهدين (تحاول وسائل الإعلام الالتفاف على هذه الحقيقة باعتماد برامج شبابية) كما يتغير المناخ السياسي العام بين مرحلة وثانية وتفقد صحف أو محطات لونها و «خطابها» وجمهورها استطراد، بفعل التبدلات السياسية. وشّكل ظهور الإنترنت بقدرته الضخمة على نقل المعلومات، من كلمة مكتوبة وصوت وصورة، فرصة غير مسبوقة في عالم الإعلام لكنه شكّل أيضاً تحدياً مهنياً وسياسياً أضاف صعوبات إلى الإعلام العربي المقيّد في كيفية اللحاق بهذا العالم الراكض في مقابل الرتابة والجمود الإعلاميين العربيين التقليديين.

 

الجمهور الذي يُفترض أن تخاطبه مواقع الإنترنت والصفحات الإعلامية المعتمدة في انتشارها على شبكات التواصل الاجتماعي يختلف عن ذلك المعتمد على الصحف الورقية وعلى الفضائيات بأنه أكثر تماساً مع التقنية الحديثة وأكثر شباباً، وأسرع تأثراً بالحدث. لكن ذلك يجعل من الجمهور هذا طريدة ممتازة لناشري الأخبار الزائفة و «الحقائق البديلة» والتعصب والانغلاق على ما دلت عليه تجارب الأعوام القليلة الماضية. وبينما تحتضر وسائل الإعلام التقليدية وأدواتها بل ومضمونها القديم، يُظهر جمهور الوسائل الجديدة قلة اكتراث بالخبر الذي يأتيه سريعاً من مصادر لم تكن معروفة من قبل (من نوع «المواطن الصحافي» والمصور الفوري الذي يغرد أو ينشر الصورة والخبر بعد ثوان من الحدث). الخبر بما هو حدث مجرد لم يعد سلعة مربحة في سوق الإعلام في وقت تبرز محاولات لتسويق مواد الترفيه بين الجمهور العريض وتخصيص الفئات الباحثة عن مواد أكثر جدية بالتحقيقات المطولة (متعددة الوسائط) وبالتحليل.

 

تشتت العرب إلى جماهير مختلفة تراجعت بينها القواسم والاهتمامات المشتركة التي قيل إن الفضائيات جددتها غداة الثورات العربية– وهو ما يحتاج إلى بحث منفصل– لن يسهل مهمة الإعلاميين الساعين إلى اعتماد الإنترنت كوسيلة بديلة. فالشبكة أثبتت قدرتها على جمع الجمهور وفرزه في الوقت ذاته، على نحو أكثر حدة بكثير مما فعلت الوسائط القديمة.