IMLebanon

عن موقعة 7 شباط.

 

لم تأخذ حقّها من الاهتمام والانتباه واقعة القصف الأميركي للمسلّحين الذين حاولوا الاقتراب من مواقع يسيطر عليها الأكراد في دير الزور في السابع من الشهر الجاري.. وهو القصف الذي تبيّن أنّه استهدف قافلة لميليشيا روسية شبه نظامية وأوقع نحو 300 إصابة بين قتيل وجريح.

 

ما تبيّن، تباعاً، بالصور والأشرطة وروايات أقارب المُصابين، أنّ الأمر كان عبارة عن إبادة تامة وفعلية للمسلّحين الروس التابعين لتلك الميليشيا.. وإنّ موسكو، على المستوى الرسمي المحض، سعت جهدها للتكتّم على ما جرى، والتستّر على العدد الفعلي للقتلى والجرحى. بل عمدت إلى تسريب موقف يبرّر القصف الأميركي من خلال الإعلان عن أنّ هؤلاء المسلّحين تحرّكوا من دون التنسيق المسبق مع القيادة العسكرية الروسية في حميميم.. إلخ.

 

.. مع أنّ ما حصل يوصف بأنّه أكبر خسارة بشرية روسية في مواقع القتال منذ حرب أفغانستان! ومع أنّ التفاصيل المتواترة تفيد بأن القصف الأميركي الجوّي بالطيران الحربي النفّاث والمروَحي استمرّ على مدى ثلاث ساعات كاملة! وأنّ هذا الوقت كان كافياً لإيقاظ كل صاحب قرار نائم حتى في سيبيريا! وأكثر من كافٍ لتشغيل الهواتف الحمراء والسوداء لتوضيح ما يجري! ومَن يقصف مَن! ومن «يتطاول» على مَن! وما إلى ذلك من خطوات ضرورية ماسيّة، لتجنّب حوادث عَرَضية قد توصل إلى مواجهات مباشرة!

 

بل الأغرب، هو أنّه لم يسبق في التاريخ الحديث (والقديم!) أنْ سقَطَ هذا العدد من القتلى الروس بنيران الأميركيين! وأكثر من ذلك: ليس معروفاً أو مُعلناً ما إذا حصل في يوم ما، حتى في ذروة الحرب الباردة وعوالم الجاسوسية التي لوّنت يوميّاتها وخبريّاتها، أن تمّ «تبادل القتل» بين الجانبين مباشرة! لا على المستوى الفردي ولا على المستوى المتعدّد!

 

وذلك يفضي إلى استنتاج يفيد بأنّ «القاتل» و«القتيل» في محيط دير الزور كانا يعرفان بعضهما جيداً! وإن تحرّك 500 مسلّح روسي، في ميليشيا شبه نظامية، لا يمكن أن يكون ذاتي الدفع! أو من دون علم مَنْ في حميميم وضواحي حميميم! وإنّ الأميركيين، في شرق الفرات وعند حقول النفط الأثيرة، ارتأوا «التعبير» بأوضح طريقة ممكنة، عن قرارهم بحماية وجودهم ومراكز نفوذهم في سوريا، بغضّ النظر عن «هويّة» مَن يريد استهدافهم أو الاقتراب منهم! وأنّهم مستعدون للأسوأ لتثبيت هذه المعادلة!

 

وذلك أنتجَ ما يمكن وصفه، بأنّه أسوأ يوم للروس، في سوريا على الأقل، وفي غيرها على مدى العقود الماضية. ولا يخفّف من وطأة السوء تلك، أن تقول موسكو إنّ المسلّحين غير نظاميين وأنّ تحرّكهم جرى من دون تنسيق مسبق. أو أن يقول وزير الدفاع الأميركي الجنرال جيمس ماتيس، إنّ بلاده «لم تتأكد بعد» من هويّة المسلّحين الذين حاولوا عبور النهر إلى المواقع الأميركية والكردية..

 

الضربة تحت الحزام، إذا صحّ التعبير.. وزاد على قساوتها، أنّ تفاصيلها المُصوّرة للجثث والآليات المحترقة صارت متاحة على الملأ. وهذه، في الإجمال، فيها ما يشي بأنّ صورة «المنتصر» الروسي أصيبت بأضرار أكيدة! ولم تعد على ذلك القدر من اللمعان الذي تحرص قيادة الكرملين على إشاعته وترويجه! عدا أنّه يثبت بأنّ التباهي «بنجاح الاختبارات الميدانية للأسلحة الروسية» التي حصدت أرواح ألوف المدنيين السوريين. ولم تفرّق بين موقع عسكري وحيّ سكني. ولم تعوّف سوقاً شعبية، ولا مدرسة، ولا مستشفى. ولا ميّزت بين الضحايا ولا أعمارهم.. ذلك التباهي صار في حاجة إلى إعادة نظر لا بدّ منها! وإلى التواضع في الادعاءات والمناورات! وإلى ردّ الاعتبار، لقيم الأنسنة والأخلاق وحقوق السوريين وأرواحهم وكراماتهم وأرزاقهم وجنى أعمارهم، ووضعها في موازاة السياسة والمصالح والحسابات الباردة واللئيمة عند صاحب القرار في الكرملين…

 

علي نون