IMLebanon

«القوات» لحلفائها: سنقلّع شوكنا بأيدينا

يوماً بعد يوم يتأكد لـ«القوات» أنّها مرغمة لا مخيّرة في اعتماد سياسة «تقليع شوكها بأيديها» في علاقتها مع حلفائها، وتحديداً «تيار المستقبل». لا مكان هنا للجوائز الكبرى والهدايا المجانية. لكل موقف ثمنه وشروطه ولعبته.

تطلب الأمر أكثر من تسع سنوات كي تترسّخ القناعة في معراب بأنّ التحالف مع سعد الحريري ليس مؤسسة خيرية تقوم بتوزيع المغانم النيابية والخيرات الحكومية، من دون مقابل. وأنّ السياسة محكومة بالنظرية الاقتصادية «الأم» وهي «العرض والطلب». وأنّ المواقف «السايبة» تعلّم الآخرين «الحرام».

حين وقعت صاعقة الاقتراح الأرثوذكسي على رؤوس الآذاريين، مؤيدين مزايدةً على الخصوم، أو معارضين له بفعل تضارب المصالح، تبدّل المشهد. أغلب الظن أنّ القواتيين بدأوا يتعلمون من دروس تجاربهم مع شركائهم، وتحديداً الحريريين منهم. صاروا متأكدين أنّه بالقوة يستطيعون فرض مصالحهم على حلفائهم، وليس بالكلام الناعم واليد الممدودة.

ومع بلوغ مشروع التمديد الثاني مذبح البرلمان، تلمسوا لمس اليد، أنّ «الدنيا تؤخذ غلابا». هناك من الأصدقاء من يبرر لمعراب فعلتها بالانقلاب على رفضها لـ«قانون فتوش»، أنّها نجحت في فرض الثمن على حلفائها، ولم تقدمه مجاناً على طبق ضغوط اللحظات الأخيرة.

يكفي للقواتيين أنّ الرئيس نبيه بري جيّر لهم «الورقة الميثاقية» باسم المسيحيين، ليكونوا ممثلي أبناء طائفتهم في تغطية «جريمة التمديد» البشعة. هكذا استغنى البرلمان عن العونيين و«الكتائب» مجتمعين، وباتت «القوات» الشريكة الرسمية والحصرية، حيث تراجع الآخرون. ولهذه المعادلة مكاسبها المستقبلية في لعبة التوازنات، كما يعتقد القواتيون.

بنظر البعض، كان يمكن لسمير جعجع أن يجنّب نفسه السقوط في حفرة المواقف المتقلبة، فيتجانس مع ذاته ومع مواقفه منذ أن بدأ التداول بقانون التمديد، أسوة بما فعله سليمان فرنجية الذي رفع قبعته للمشروع، قبل التوجه إلى مجلس النواب لرفع يده، من دون اللجوء إلى سياسة المواربة والمزايدة المصطنعة.

بالنسبة للمدافعين عن مسار معراب المتعرّج، فإنّ تقديم أصوات نواب الكتلة القواتية «على البارد» كان سيمر مرور الكرام، من دون منّة من أحد، لا سيما من الحليف الأزرق الذي هندس ورتّب التمديد على قياسه، وطلب من الآخرين الصعود إلى مركبه. أما الآن، فيمكن لمعراب أن تحرج شركاءها بالمطالبة بقانون انتخابي عادل يرفع الغبن عن التمثيل المسيحي، يكون بمثابة التعويض عن ضرر «طمر» صناديق الاقتراع.

ولكن، كُثر لا يسايرون هذا التفاؤل المفرط من جانب «المعرابيين»، وفي قدرتهم على سحب التزام جدي من أفواه الحريريين، لا سيما في ما يخصّ قانون الانتخابات، الذي سيكون عموداً فقرياً في أي تسوية رئاسية قد تحصل، وإلا فإنّ «قانون الستين» سيظل سيفاً مصلتاً على رقاب المسيحيين.

ويعتقد هؤلاء أن أقسى ما توصلت إليه «القوات» جرّاء ممانعتها التمديد حتى اللحظات الأخيرة، هو استرجاع بعض الثقة المفقودة في نفوس شركائها المستقبليين، علّها تعيد مياه التناغم بينهما.. لا أكثر.

ولهذا ربما، يتمسك سمير جعجع بترشحه للرئاسة، ليس إيماناً منه بأنّ الطريق معبدة بالورود، ولا قناعة بأنّ ثمة أكثرية في جيبه قادرة على حمله إلى قصر بعبدا. يبدو جلياً أنّ الرجل تخلى عن كل الأوهام التي كانت تراوده نهاراً قبل الليل، بأنّ انقلابات المنطقة قد ترفعه على راحاتها إلى الكرسي المخملي، بعد أن تكون الرمال المتحركة قد ابتلعت كل ما هو قائم.

ومع أنّ رفاقه الموارنة يحاولون شطبه من المعادلة الرئاسية، إلا أنّه لم يتعب ولم يمل، لأنه يريد أن يكرّس موقعه شريكاً أساسياً في طبخة الرئاسة، فلا تمرّ المياه من تحت قدميه، بمجرد أن تتلاقى المصالح الإقليمية حول اسم ماروني قادر على أن يمسك المجد من طرفيه.

ولما سبح العونيون والكتائب عكس التمديد، مشككين بشرعية مجلس النواب الذي أخلّ بالوكالة التي أعطيت له من الشعب، صار بإمكان القواتيين أن يحاججوا حلفاءهم قبل خصومهم الموارنة، بأنّ ترشيحي أمين الجميل وميشال عون لم يعودا قائمين، «لأن ما بُني على باطل.. يصير باطلاً».

ويردد بعض الآذاريين معلومة تفيد أنّ مسؤولين سعوديين أبلغوا الحريري كما جعجع، بالحرف الواحد، أنّه لا رئيس جمهورية في لبنان إذا لم تمنحه معراب بركتها. حتى الآن، كلام طيب، ولكن حين تتقاطع إرادات الكبار، لا يُسأل عادة عن رغبات الصغار.

ولهذا يقول قواتيــون إنّ جعــجع مرشــح إلى حين يتمّ الاتفاق على اسم ماروني من قماشة التوافقــيين، بمــعنى أن يكون من خــارج اصطفافَي «8 و14 آذار». وحــتى تحين هذه الساعة، سيستخدم «حكيم معراب» كل الفتاوى السياسية التي تبقيه حصان «14 آذار»، ولو كان على أبواب «طروادة».