IMLebanon

غابٌ بلا شريعة!

 

يوماً بعد يوم يتأكّد المؤكد: اللبنانيون يعيشون في غابةٍ أين منها الغابات التي تجول فيها الوحوش المفترسة، وتفح فيها الأفاعي نافثة السمّ النقاع، وتهيمن شريعة الأقوى الذي يسحق الأضعف، في مواجهات دائمة لامتوازنة… مع فارق بسيط ولكنه مروّع في آنٍ معاً، وهو أن وحوش الغابة لا يفترس بعضُها البعضَ الآخر إلا اذا كان على طوىً، بينما وحوش غابتنا اللبنانية يُتخَمُ واحدها ولكنه يبقى مشرِّعاً الأشداق لالتهام كل شيء، ولا يشبع أو يكتفي.

 

وحوش الغابات لديهم شريعتهم (شريعة الغاب)، أمّا وحوش الغابة اللبنانية، فلا يلتزمون بشريعة، ولا قانون يتقيدون بنصوصه، ولا حتى دستور يحترمونه. فشريعتهم النهب، وقانونهم الارتكابات، ودستورهم الفساد…

 

ولعل أكثر ما يؤلم أن هذه الحال لم تعد وقفاً على مَن هم في الواجهة بين جماعات  من سياسيين وقياديين، إنما باتوا متواجدين في كل مكان، من ذروة القمة الى سفح القاعدة. إنهم في القطاعات والمؤسسات والادارات والدوائر، من التاجر في الدكان الصغيرة الى صاحب الموقع المرموق في السُدّة الرفيعة. فالعدالة في إجازة طويلة، والقانون لبلد آخر وزمان آخر، والأخلاق صارت «دَقَّاً قديماً»، واللباقات الانسانية والاجتماعية بات الملتزم بها مضحَكَةً، والقتل أسهل من شربة الماء… وأما الخطاب السياسي المتفلت من الضوابط كلها فصار إنجيلاً مقدّساً لدى البعض وفرقاناً كريماً عند البعض الآخر من هذه الغوغاء المتحكمة في العقول، ومن أسف في عقول الأجيال الطالعة التي تبارك القادة وتمجدهم، وكلما بالغ الواحد منهم في العصبية والحقد والكراهية والغباء بالطبع، كلما التفّت الدهماء من حوله لتفتديه بالروح وبالدم!.

 

إنها غابة اللاضوابط …

 

ومن أسف أن أسوأ ما فيها ليس أولئك القياديين والمسؤولين وحسب، إنما أيضاً أولئك التعساء من الدهماء إياها الذين قصدهم سعيد تقي الدين بقوله: «الرأي العام بغل»، والذين أكثر ما ينطبق عليهم كلام ابن خلدون في «المقدمة» الشهيرة:

 

«إذا رأيت الناس تُكثر الكلام المضحك وقت الكوارث فاعلم أن الفقر قد أقبع عليهم وهم قومٌ بهم غفلة واستعباد ومهانة، كمن يُساق الى الموت وهو مخمور».