IMLebanon

المتحف الوطني اللبناني يزهو «اليوم الوطني السعودي»

يستضيف «المتحف الوطني اللبناني» يوم الأحد 22 سبتمبر (أيلول) 2019 أعطر ذكرى على الشعب السعودي.
وسيزهو هذا المتحف الذي تروي نواويسه وكذلك ما يحوي من توابيت ومومياوات وتماثيل حفرها الأجداد الفينيقيون على حجارة أو باستعمال البرونز قبل قرون من الزمن، فضلاً عن لوحات تركها أجداد ما قبل الميلاد وبعده في بيروت وبعلبك وجبيل وصيدا وصور، وحيث كان هنالك كشف أثري. وهو كان سيبدو أكثر غنى لو لم تشمله همجية «حرب ا1975»، التي أطفأ سعيرها اتفاق الطائف، وتمتد أيادي ناهبي الآثار إلى هذا المتحف يصيبه ما أصاب متاحف في العراق وسوريا وليبيا ومصر منيت بأنواع من رعاة القطعان الهمجية (المصنفة ميليشيات) يبيعون بالجملة تراث أوطان وتاريخ حقبة مضيئة من التاريخ.
قبل افتتاح هذا المتحف بسبعة وسبعين عاماً كان تم جمع نحو مائة قطعة أثرية ثم حدثت الهجمات الهولاكية لسرقة ما أمكن سلبه. لكن رونق الشعور ببهجة الاستقلال أوجب إعطاء المتحف حقه من الاهتمام. وسنة بعد سنة بات المتحف الوطني من معالم تاريخ هذا الوطن الكبير أهمية المستَصغَر من طارئين على أصول التعامل بين الدول.
وبالعودة إلى الاستضافة غير المسبوقة من جانب «المتحف الوطني» لأعطر ذكرى على الشعب السعودي بملايينه الثلاثة والثلاثين، نشير إلى أن اليوم الوطني للمملكة يتميز عن سائر الأيام الوطنية التي هي أعياد الاستقلال، بأنه ليس لمناسبة نيْل الدولة استقلالاً كان مصادَراً من دولة أجنبية على نحو ما كانت عليه جميع دول الأمة بجناحيْها المشارقي والمغاربي، وإنما هو يوم إنجاز الوحدة في وطن كانت تتوزع على صحاريه ووديانه وجباله قبائل تتناحر وتغزو هذه تلك.
وللمرء أن يتصور أي جولات من السعي المقرون بالحزم وأي شمائل جهادية اتصف بها الملك عبد العزيز في سنوات دوره أميراً ثم سلطاناً، قبْل أن يكتب بدخوله الرياض بداية صفحة لمّ شمل المناطق ثم تقوم الدولة وتتوحد ويحقق أثبت تجربة وحدوية في الأمة. ويحدث ذلك في زمن كانت الدولة التي لا تغيب عنها الشمس مستأثِرة بالوصاية وما هو أكثر منها على مصر والسودان وإمارات الخليج، وكانت فرنسا الدولة الوارثة الأمجاد النابليونية رابضة على إرادات لبنان وسوريا ودول المغرب. ومِن هنا فإن اليوم الوطني السعودي كان وطنياً بامتياز وأمكن رجل ساقته الأقدار وقوة العزم الإيماني أن يتوكل ويتحمل ويوحد الدولة المترامية المناطق وفي زمن الفروسية التي لا تُلوث وسائلها السلاحية المناخ كما حال باليستيات ونوويات الزمن اللاحق وصولاً إلى الحاضر، كون تلك الوسائل جياداً وسيوفاً وبنادق عند الضرورة القصوى.
والأهم من ذلك الأخذ بالعدل والتمسك بما في الشريعة السمحاء من خرائط طريق تؤدي إلى العمل الصالح وتحقيق الهدف الذي هو لمصلحة الشعب وبما يحوز مرضاة رب العالمين. وهنا نجد جوهر رؤية الملك بعدما وحَّد وكذلك بعدما باتت معالم الثروة النفطية من خلال وصية لأول الملوك الأبناء سعود وللملوك الخمسة فيصل وخالد وفهد وعبد الله (رحمة الله عليهم) وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان عزز الله سعيه وعزْمه وحزْمه… ومنهم إلى من سيواصل واجب القيادة من الأحفاد. وفي سطور من تلك الوصية قول الملك عبد العزيز لابنه (ولي العهد زمنذاك) الملك سعود: «إننا نحن والناس جميعاً ما نُعز أحداً ولا نُذل أحداً، وإنما المُعز والمُذل هو الله سبحانه وتعالى. مَن التجأ إليه نجا ومَن اعتز بغيره (والعياذ بالله) وقع وهلك. وينبغي ألاّ تأخذك في الله لومة لائم. وعليك أن تنظر في المسلمين عامة».
اختيار «المتحف الوطني اللبناني» بالذات ليكون المكان الذي يحتفل فيه اللبنانيون مع المملكة العربية السعودية ممثَّلة بسفيرها وليد بن عبد الله بخاري يحمل في طياته معنى، ونكاد نقول إن القصد من المكان هو مناسبة لكي يتأمل قبائل أهل السياسة في لبنان فيما أصاب الوطن من أفعال قاموا بها وأقوال بالغوا في تردادها. وإذا جاز التشبيه فإن حالة لبنان ليست بعيدة عن تلك الحالة التي كانت تعيشها مناطق السعودية قبْل أن يخوض عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود غمار تنقية البلاد من العابثين والسالبين والغزاة والمرتكبين أبشع أنواع القتل. طبعاً هنالك الفارق الزمني الذي يجعل التشبيه غير دقيق. ولكن أليس ما يحدُث من رموز في مواقع من السلطة السياسية أو من أطراف يستغلون علاقتهم ببعض الرموز، هو مثل ما كان يحدث في زمن الغزو والسلب واعتبار الوطن مناطق نفوذ أو دويلات لهذه القبيلة أو تلك.
من هنا قد يكون اختيار المكان ليس مجرد التغيير، بحيث لا يبقى الاحتفال يتم في فندق أو صالة مؤتمرات، وإنما ثمة إيماءة ودية وراء القصد، ذلك أن مكان المتحف هو في نقطة من خط التماس، تماماً كذلك المبنى الذي اختاره السفير بخاري لكي تكون قاعاته ملتقى لمشاهدة مئات الصور للمسيرة الدبلوماسية اللبنانية على مدى ثلاثة أرباع القرن الذي أهم حالة توحيد ثابت فيه هي توحيد المملكة. ومن الجائز الافتراض أن كثيرين من أبناء المملكة سيضيفون بعد الآن إلى برنامجهم السياحي في لبنان زيارة «المتحف الوطني اللبناني» ما دام سفير مملكتهم اختاره ليكون مكان الاحتفالية بالذكرى التاسعة والثمانين لعيدهم الوطني، فضلاً عن أن هذا الاختيار سيحفِّز الكثيرين من السفراء العرب والأجانب على حذو الاختيار السعودي الذي جاء في وقت يحتاج فيه لبنان ليس فقط إلى نجدة «سيدر» التي قد تتعثر بعض الشيء، وإنما دائماً إلى أصدقاء حاضرين في زمن الشدة وعند الحاجة إلى مبادرات ذات طابع معنوي وتحمل في طياتها رسائل أو تمنيات من نوع اختيار «المتحف الوطني اللبناني» مكاناً للاحتفاليات الوطنية وبما تمثِّله جغرافية المكان، بمعنى أنه في النقطة التي تفصل بين بيروت المسلمة وبيروت المسيحية، ولكن السعودية بهذا الاختيار الرمزي الذي ينسجم مع جوهر اتفاق الطائف تريد القول بالإيحاء ما معناه أن الخط الفاصل هو في نظرها الخط الذي يجمع الجناحيْن، وعلى رغم المشاحنات والممارسات والمناورات بين بعض قبائل العمل السياسي والحزبي القريبة الشبه من قبائل في صحارى الجزيرة وبلداتها استمرت على أفعالها إلى أن أمكن ترويض ما من الأفضل ترويضه وإخضاع من لا يرتضي الصراط المستقيم.
وأما أتراك أجداد الرئيس رجب طيب إردوغان الذين كانوا يسيطرون على الأحساء في المنطقة الشرقية، ويتركزون في مدينة «الهفوف»، فهؤلاء جرى التعامل معهم بمزيج من الترويض والإخضاع انتهى بهم الأمر خروجاً سالماً، إنما من دون أن يزال هذا الفعل من العقلية العثمانية للرئيس إردوغان الذي يحاول الاستقواء على سوريين اعتقدوا أنهم سيَلقون في تركيا الملاذ الآمن والكريم وعلى لبنان لأن رئيسه ذكَّر بما فعله باشاوات من أجداده بلبنان ظلماً ما بعده ظُلم.
خلاصة القول إن «المتحف الوطني اللبناني» لن يكون يوم الأحد 22 سبتمبر 2019 مجرد مستضيف لاحتفالية الذكرى التاسعة والثمانين «اليوم الوطني السعودي»، وإنما سيزهو بهذه الاستضافة التي لم تخطر فكرتها في بال أحد من قبل… حتى في بال أهل الحُكْم حقبة تلو حقبة، إلى أن جاءنا السفير بخاري بالمبادرة اللافتة. عسى ولعل يكون هنالك بعض الاعتبار لما تعنيه هذه الاحتفالية لجهة الطرف المحتفل ولجهة اختيار المكان. وكل يوم وطني والمملكة شعباً وقيادة من العواد.