IMLebanon

“سذاجة” فرنسيّة لن تنجح في إخراج الملف اللبناني من “الثلاجة” أفكار لودريان لا تتماشى مع نتائج مرحلة ما بعد “طوفان الأقصى” 

 

 

“هآرتس”: حزب الله وحماس نجحا في فرض “قواعد اللعبة”

 

“إسرائيل” لن تحقق الإنتصار… والحرب لن تغيّر الواقع السياسي

 

لم تتبلور بعد النتائج السياسية والعسكرية لعملية “طوفان الاقصى” في السابع من الشهر الماضي، وما تلاها من حرب ابادة اسرائيلية على قطاع غزة، الا ان ثمة معطيات رئيسية غير قابلة للتأويل ترتبط ببروز ادوار هامة لبعض الدول، وتراجع دور دول اخرى. اللاعبون الرئيسيون، اميركا ومصر وقطر، يديرون اليوم عملية التفاوض على الهدن، ويرسمون مستقبل الحلول المنتظرة بعد وصول كيان العدو الى “حائط مسدود”. ايران حجزت مقعدها، بعد ان اثبتت قدرتها على ادارة حرب جبهات متعددة في المنطقة، عبر حلفائها في لبنان واليمن والعراق. تركيا لم تنجح في ايجاد موطىء قدم على “الطاولة”، على الرغم من “الصوت العالي” لرئيسها رجب طيب اردوغان. اما اوروبا فهي غير مؤثرة ابدا في الاحداث، وبدت ملحقة بالسياسة الاميركية، واكتفى زعمائها بمواساة “اسرائيل باحزانها”، وفي مقدمة هؤلاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي قرر فجأة ارسال مبعوثه جان ايف لودريان الى بيروت، بحثا عن دور لا يستحقه ولا هو قادر على تحمّل وزره. ولهذا يمكن الجزم ان عودته لن تقدم او تؤخر، وستبقى محاولة بائسة عنوانها الفشل. لماذا هذا الاستنتاج؟

 

وفقا لمصادر سياسية بارزة، لم يقدم لودريان اي جديد حيال المخارج المرتبطة بالانتخابات الرئاسية، وعاد الى بيروت حاملا افكارا قديمة، وكأن الزمن توقف عنده قبل السابع من تشرين الاول الماضي، كأن لا شي تغير في المنطقة التي يعاد رسم ملامحها، انطلاقا من الحرب المفتوحة على اكثر من جبهة. ولهذا فان الاخفاق يبدأ من الشكل قبل الولوج الى المضمون الفارغ للافكار التي لا يمكن ان تنتج حلا. والاكثر اثارة للتعجب ان فرنسا المتواطئة مع العدوان الاسرائيلي على غزة، لا تملك اي من أداوت التأثير على صناع القرار في لبنان، ولا تملك بين يديها لا “عصا ولا جزرة” للتأثير على الاحداث. وليس كافيا ان يتحدث لودريان امام مَن التقاهم عن خطورة المرحلة التي تقتضي تجاوز الخلافات وتحصين الساحة اللبنانية، لان المطلوب منه اكثر من توصيف يعرفه الجميع، المطلوب ان يجيب عن سؤال مركزي: كيف يمكن ذلك؟ ووفقا لاية معايير؟

 

الواضح من جولته بالامس، ان الديبلوماسية الأميركية لم تمنحه “الضوء الاخضر” لاجتراح الحلول في دولة مركزية في الصراع الدائر في الشرق الأوسط، يحتاج الفرنسي الى مصادقة اميركية – سعودية على جهوده، وهو امر لم يحصل حتى الآن، والرئيس ماكرون لا يملك اصلا الشجاعة السياسية، كي يجد مساحة ودور مستقل عن الاميركيين. ولهذا لا يمكن انتظار اي نتائج عملية لزيارة الموفد الفرنسي، غير القادر على التعامل مع المستجدات الميدانية والديبلوماسية، التي لن تكون مجرد حادث منعزل لن يتأثر به لبنان. تحتاج الخطة الفرنسية الى تعديلات جوهرية، تأخذ بعين الاعتبار ميزان القوى الجديد، وقد اظهرت طريقة حديث لودريان مع بعض ممن التقاهم بالامس عن القرار 1701 واسئلته عن اليوم التالي لوقف القتال، بانه غير مدرك كثيرا لحقيقة ان ثمة منتصرا وثمة مهزوما بعد 7 تشرين، ولا يمكن اغفال هذا الامر في اي مقاربة جديدة.

 

اما ما هو الدليل بان “اسرائيل” لن تنتصر في هذه الحرب؟ فالامر لا تجيب عنه تلك الاوساط، وانما وسائل الاعلام “الاسرائيلية” ومنها صحيفة “هآرتس” التي اكدت ان حركة حماس استطاعت بثلاثة معايير حاسمة  أن تقرر قواعد اللعب، وتبعها في ذلك حزب الله. وبرأي الصحيفة انه كلما استمرت الحرب، تتفاقم تداعيات هذه المعايير لغير صالح “اسرائيل”.

 

– المعيار الأول ، وفقا للصحيفة، هو الوضع غير المسبوق الذي نجحت حماس وبعدها حزب الله، في خلقه على حدود القطاع، وعلى الحدود الشمالية اي جنوب لبنان. بعد 7 تشرين الأول، وبعد فقدان الأمن الشخصي في “إسرائيل” عقب ذلك، فإن نحو 120 ألف مواطن “إسرائيلي” تركوا أماكن سكنهم في النقب الغربي وفي منطقة الشمال، وهم مهجرون في بلادهم منذ أسابيع. وبات مشكوكا فيه إذا كان هدف القضاء على حماس قابلاً للتحقق. في المقابل، ربما يستمر حزب الله في ترسيخ معادلة إطلاق النار المتبادل في الشمال، ومحاولة الاختراق إلى داخل “اسرائيل”. معنى ذلك، أنه كلما طالت الحرب، فالكثير من المواطنين “الاسرائيليين” لن يعودوا إلى بيوتهم.

 

– المعيار الثاني هو الإضرار الكبير بسياسة “إسرائيل” للتوصل إلى التطبيع مع العالم العربي المعتدل، وعلى رأسه السعودية.

 

– المعيار الثالث هو قضية المخطوفين. فصفقة التبادل التي تم تنفيذها، تبرهن على اضطرار “إسرائيل” إلى التنازل لحماس والاستجابة بدرجة لا بأس بها لمصالحها.

 

وتخلص “هآرتس” الى القول “حان الوقت لنعترف بأننا لن نحقق انتصاراً، ولا يهم عدد الضربات الوحشية التي سنوجهها للقطاع وسكانه المساكين. الحقيقة المؤلمة أن حماس ومعها حزب الله، قد جرا “إسرائيل” إلى حرب بدأت بمبادرة هجومية وبفشلنا الفظيع. والعمليات العسكرية لن تنجح في تغيير الوضع السياسي الذي وجدنا أنفسنا فيه. والحل يكمن في وقف إطلاق النار وإجراء صفقة شاملة لإطلاق سراح جميع المخطوفين ومحاسبة المسؤولين عن الفشل في أسرع وقت. ثم الالتزام بإقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، مقابل وقف بعيد المدى لإطلاق النار، 15 سنة تقريباً، والعمل على تنفيذ هذا الالتزام”…

 

هذه الخلاصة، تشير بوضوح الى ان موازين القوى في المنطقة، لن تكون بالمطلق في صالح “اسرائيل” ومن معها من داعمين اقليميين ودوليين، ولهذا فان استعجال الفرنسيين الى البحث عن دور على الساحة اللبنانية، دون الاخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات الضخمة، التي بذل في سبيلها الكثير من دماء الشهداء “سذاجة” معتادة من قبل باريس، التي وقفت الى الجانب الخاطىء في المواجهة الاخيرة، ولن يمنحها احد “جوائز” مجانية، بعد ان ثبت فشل ديبلوماسيتها على نحو فاضح.

 

وقد يغادر لودريان بيروت دون ان يفهم احد اسباب توقيت زيارته، لانه حتى الساعة لم يقدم اي معلومة مفيدة حول اسباب تحركه، ونقل افكارا مكررة، سبق واخفقت في تحريك “المياه الراكدة”. انه مثال جديد يعبّر عن ضحالة الموقف الفرنسي، وينم عن اخفاق ديبلوماسي يضاف الى ما سبقه من فشل على مستوى خريطة العالم، حيث باتت فرنسا لاعبا هامشيا لا وزن له. وبانتظار ان ينجلي “غبار” المواجهة الدموية في المنطقة، سيبقى “الملف اللبناني في “ُثلاجة” الانتظار، حيث لم ينجح الفرنسيون حتى في انزاله الى “البراد”.