IMLebanon

فرنسا و«المجموعة الدولية» في خطوة إستباقية لمنع التمديد للمجلس النيابي

 

تغاضت عن «تشكيل الحكومة»… والعقوبات «ورقة ضغط» للوقت المناسب

 

يبدو أنّ ما أكّد عليه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان خلال زيارته الأخيرة للبنان بأنّ «فرنسا ستُجيّش المجتمع الدولي من أجل الضغط لإجراء الإنتخابات النيابية اللبنانية في موعدها أي في أيّار المقبل (2022)»، سيكون الهدف الذي تسعى إليه بلاده والدول الحليفة لها في لبنان. أمّا موضوع «تشكيل الحكومة» فلم يعد يهمّها في شيء، سيما وأنّها حاولت جاهدة مع المعنيين بالتأليف دون جدوى. كما أنّ فرنسا لم تعد «تثق» بجميع القادة اللبنانيين كونهم لم يلتزموا بتعهّداتهم التي قطعوها للرئيس إيمانويل ماكرون خلال اجتماعه بهم في قصر الصنوبر في الأول من أيلول 2020.

 

ويتوافق موقف لودريان مع موقف «مجموعة الدعم الدولية» من أجل لبنان التي عقدت أخيراً اجتماعاً في بيروت، دعت خلاله الى إجراء الإنتخابات في مواعيدها «حفاظاً على ديموقراطية لبنان في سياق أزمته المستمرّة»، وحثّت جميع السلطات اللبنانية المعنية على «البدء بالأعمال التحضيرية في الوقت المناسب، وفقاً للجدول الزمني المحدّد للإنتخابات». فصحيح أنّ المجموعة طالبت «القادة اللبنانيين بتنحية خلافاتهم جانباً من أجل المصلحة الوطنية، والا يتأخّروا أكثر من ذلك في تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات قادرة على تلبية الإحتياجات الملحّة للبلاد وعلى تنفيذ الإصلاحات الجوهرية التي طال انتظارها»، على ما أشارت أوساط ديبلوماسية متابعة، الا أنّها تشعر بتعذّر حصول هذا الأمر لا سيما في ظلّ استمرار الجمود السياسي في عملية تشكيل الحكومة بعد مرور تسعة أشهر على استقالة الحكومة الحالية، وأكثر من ستّة أشهر على تكليف الرئيس سعد الحريري بالتأليف.

 

وتقول الاوساط بأنّ قفز دول الخارج الى «البند التالي»، يعني أنّها تخطّت الأول ليس لأنّها تريد ذلك، بل لتيقّنها من صعوبة أو استحالة حصوله في المرحلة الراهنة، ما دام «التصعيد» لا يزال سيّد الموقف بين عون وفريقه السياسي، والحريري و»تيّاره. هذا وعادت التشنّجات السياسية لتُدخل «الطائفية» في حساباتها، مذكّرة بالوضع الداخلي الذي ساد خلال سنوات الحرب التي سُمّيت «أهلية». كما تجد بأنّ مطالبة فرنسا ومجموعة الدعم الدولية قد تكون «ذريعة» إضافية لعدم الذهاب الى تشكيل حكومة حتى نهاية العهد.

 

أمّا فيما يتعلّق بإجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، فرأت الأوساط ذاتها أنّ جميع الأحزاب السياسية تتحدّث عن جهوزيتها وعن ثقتها بناخبيها ومؤيّديها مؤكّدة على عدم فقدانها لشعبيتها، بل على العكس ازدادت هذه الأخيرة كون مناصريها لا زالوا يجدون بأنّها صادقة ومنزّهة ومختلفة عن بقية الأحزاب. غير أنّ الواقع قد يكون عكس ذلك. ففرنسا ودول الخارج تُراهن على «كلمة الشعب»، و«صوته» في صناديق الإقتراع لإحداث التغيير المطلوب، خصوصاً بعد أن رفع الشعب اللبناني صوته خلال انتفاضة 17 تشرين من العام 2019، وما تلاها من تظاهرات مطالباً بمغادرة جميع الطبقة السياسية التي أوصلت البلاد الى ما وصل اليه من الإنهيار على مختلف الصعد، وفق شعار «كلّن يعني كلّن».. وهذا التغيير لا يُمكن لدول الخارج فرضه بالقوّة في لبنان، بل على اللبنانيين أنفسهم أن يقوموا به من خلال معاقبة المسؤولين الفاسدين الذين نهبوا أموالهم، وذلك من خلال عدم انتخابهم مرة جديدة، بل استبدالهم بنوّاب يمثّلونهم فعلياً ويكونوا قادرين على إنقاذ لبنان من أزماته المتفاقمة واستعادة الحقوق الفعلية لهم.

 

وكشفت الاوساط بأنّ فرنسا على لسان لودريان، عندما تحدّثت عن أنّها ستُجيّش المجتمع الدولي لإجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، لم تكن تُهدّد القادة السياسيين والأحزاب السياسية اللبنانية، بقدر ما أرادت التأكيد على أنّ السعي الى عدم إجراء الإنتخابات في أيّار المقبل والتمديد للمجلس النيابي نفسه لأشهر لكي يتمكّن من انتخاب رئيس الجمهورية المقبل، لن يمرّ. فإذا كانت تغاضت عن عدم تشكيل «حكومة المهمّة» الإنقاذية التي نصّت عليها المبادرة الفرنسية على مضض، غير أنّها «لن تسمح والمجتمع الدولي للتمديد للمجلس النيابي نفسه»، كونه يُبقي على الطبقة السياسية نفسها في مكانها رغم أنّها متهمة بالفساد وتهريب الأموال الى الخارج وما الى ذلك.

 

فالحلّ المناسب للبنان اليوم يبقى، بحسب رأي دول الخارج، بالتوافق بين عون والحريري على تشكيل الحكومة الإنقاذية، عبر تسوية بينهما، أو مصالحة أو اتفاق ما، ولكن بما أنّ هذا الأمر لا يبدو أنّه سيحصل، فهي تؤيّد وتدعم إجراء الإنتخابات النيابية. أمّا لماذا في موعدها وليس انتخابات نيابية مُبكرة، فأوضحت الأوساط بأنّ هذا البند كان موضوعاً على الورقة السياسية في المبادرة الفرنسية، لكنّه ألغي لتعذّر حصوله، ولكي تتمّ الإستحقاقات الدستورية في مواعيدها أي الإنتخابات النيابية ثمّ الرئاسية. كما أنّ فرنسا ودول المجموعة كانت تُعطي الأولوية لتشكيل الحكومة، غير أنّه مع تمرير الوقت سدى من دون تأليف الحكومة جعلها تقفز الى البند التالي، بهدف التوصّل الى استحقاق دستوري وقانوني بإمكانه إحداث التغيير وإنقاذ البلاد. وقد وجدت بأنّ التحضير للإنتخابات النيابية خلال هذا العام يكون أفضل من إجرائها مبكراً، على طريقة «السلق»، لأنّه يكون أمام الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني في المقابل الوقت الكافي لتجهيز ناخبيها وبرامجهم السياسية.

 

وبناء عليه، تكون فرنسا ودول الخارج، على ما شدّدت الأوساط عينها، قد استبقت «خطوة التمديد للمجلس النيابي» التي قد يلجأ اليها بعض القادة السياسيين تحت ذرائع عدّة. أمّا مسألة فرض العقوبات الفرنسية والأوروبية الإضافية على المسؤولين اللبنانيين فتبقى «ورقة ضغط» تستخدمها فرنسا في الوقت المناسب، وستتوسّع وتُصبح أقسى وستُفرض على شخصيات متنوّعة من الصفّ الثاني، في حال أصرّ البعض على حجج مثل ضرورة تعديل قانون الإنتخاب قبل الذهاب الى الإنتخابات النيابية المقبلة وغير ذلك، بهدف تعطيل إجرائها في موعدها.

 

وهذا يعني بأنّ الإنتخابات النيابية وفي ظلّ الإنقسامات والتشنّجات السياسية التي يعيشها البلد ستجري في 8 أيّار من العام المقبل وفق القانون نفسه الذي جرت عليه الإنتخابات الماضية أي على أساس النسبية وفق تقسيم لبنان الى 15 دائرة إنتخابية، الى جانب الصوت التفضيلي على أساس القضاء. أمّا الدخول في مسألة تعديل القانون والتحضيرات التقنية مثل استخدام البطاقة الممغنطة التي تسمح للمواطنين بالإدلاء بأصواتهم في مناطق سكنهم من دون الحاجة الى الإنتقال الى أماكن ولادتهم، كما يجري عادة، وغير ذلك من الأمور التي جرى تأجيلها في العام 2017 الى الإنتخابات المقبلة (2021)، فإنّ البحث فيها من شأنه أن «يُعيق» إجراء الإنتخابات لعدم التوافق عليه من قبل جميع الكتل النيابية. من هنا تخشى دول الخارج من أن تكون «ذريعة» تمديد المجلس مهامه نظراً لما تتطلّبه مثل هذه التحضيرات التقنية لإجراء الإنتخابات، على ما حصل في العام 2017 عندما مدّدها حتى أيّار من العام 2018، ولهذا تصرّ دول الخارج على ضرورة تخطّيها بأكملها، لكي لا يقع لبنان في المحظور مجدّداً.

 

 

بين تحذير بري ومخاوف جنبلاط… إحباط نيابي! – هيام عيد

 

يكتسب تحذير رئيس مجلس النواب نبيه بري من أن تطيح الأزمات بلبنان، طابع الخطورة الشديدة، خصوصاً إذا ما أُضيف إلى الهواجس الصريحة التي عبّر عنها رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، وإلى الإنذار الذي سبق ووجهه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، من غرق السفينة اللبنانية، إذا استمرت الخلافات بين المسؤولين وبقي الإنسداد في عملية تأليف الحكومة، ذلك أن المناخات التي سادت بعد الجلسة النيابية العامة يوم السبت الماضي، هي «محبطة» على حد قول مصادر نيابية في كتلة «التحرير والتنمية»، في تقويمها الأولي لكل مجريات وأسباب وأهداف هذه الجلسة. وكشفت هذه المصادر، أن «السجالات» التي نُقلت على الهواء مباشرة ، تخطت مسألة تأليف الحكومة إلى طرح عناوين ذات طابع إنتخابي ولا يستهدف العمل للتوصل إلى حلول وتسويات سريعة للأزمة الحكومية، وذلك في ضوء الكلام عن ترحيل لهذه الأزمة إلى موعد غير معلوم وإلى بدء مرحلة من التأزم والتعقيد، مع بقاء كل جسور التواصل مقطوعة بين طرفي التأليف، رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري الذي غادر إلى الإمارات، ما اعتبرته المصادر مؤشراً على غياب أية مواعيد أو مشاريع لقاء أو بحث في هذه المسألة خلال الأسبوع الحالي على الاقل.

 

وعلى الرغم من أن الرسالة الأساسية التي أطلقها المجلس النيابي قد وصلت إلى المعنيين بالتأليف، فقد لاحظت المصادر النيابية أن البعض ما زال على توجهه نحو المغامرة بالإستقرار وفتح أبواب تعديل الدستور في ظل تصعيد سياسي غير مسبوق وصلت ارتداداته إلى الشارع. وشددت على أن الساحة الداخلية هي في غنىً عن أزمات ميثاقية أو دستورية، وبالتالي، فقد أصبح من الملحّ، وبعدما نال طرفا التأليف ما كانا ينشدانه لجهة توجيه رسالة إلى المجلس النيابي والردّ التفصيلي عليها، من الممكن اليوم وبصرف النظر عن التصعيد غير المسبوق في المواقف،السعي إلى إنتاج آلية عمل جديدة تؤمن العبور الى تحقيق ما يشبه الهدنة السياسية ، على أن يأتي بعدها تجديد حراك الوسطاء و»فاعلي الخير» كما سمّتهم المصادر النيابية نفسها.

 

ومن ضمن هذا السياق، فإن الحفاظ على «الستاتيكو» الحالي قد شكّل الهدف الأساسي في الجلسة النيابية، حيث ان استئناف مسار التأليف كان العنوان لدى كل المعنيين بهذا الملف، فيما أراد بري، تحويل الزخم الذي برز في المواقف المعلنة، داخل وخارج قاعة الأونيسكو، الى قوة دفع تؤدي إلى تحريك المياه الراكدة في العلاقات بين قصر بعبدا وبيت الوسط بالدرجة الأولى، لعلّ في ذلك تطور ما يخرق المراوحة، وبالدرجة الثانية، تطويق واستيعاب كل ترددات الرسالة الرئاسية وردة الفعل «الحريرية» ضمن المجلس النيابي وفي إطار الأصول الدستورية، وبالتالي قطع الطريق على أي تأويلات أو تفسيرات قد تؤدي إلى ما لا يُحمد عقباه في الشارع الذي يغلي على وقع الأزمات الحالية والمرتقبة خلال أسابيع معدودة إن لم يلق تحذير رئيس المجلس أصداء إيجابية لدى المعنيين بالتسوية الحكومية.