IMLebanon

من اجل فهم فرنسي افضل للبنان  

 

 

لا تزال فرنسا الدولة شبه الوحيدة المهتمّة بانقاذ لبنان، هي التي كان يصفها اهل البلد بعبارة «الامّ الحنون».  تكمن مشكلة فرنسا التي أرسلت وزير خارجيتها جان ايف لو دريان الى بيروت مجددا في انّها لا تمتلك الوسائل التي تسمح لها بتنفيذ سياستها. تمرّ فرنسا في الظروف الراهنة في مرحلة صعبة، خصوصا اقتصاديا. لديها مشاريعها المرتبطة بمستقبل لبنان واللبنانيين لكنّه يعوزها المال والنفوذ اللذين يسمحان بنقل هذه المشاريع الى ارض الواقع.

 

تستطيع فرنسا قول كلام كبير. تستطيع مثلا القول انّها على مسافة واحدة من الجميع في لبنان، لكنّ ما ينقصها قبل ايّ شيء آخر، أي إضافة الى المال والنفوذ، تلك القدرة على فهم التحوّلات التي طرأت على الوضع اللبناني في السنوات الأخيرة. تتجاهل فرنسا ان لبنان يعيش حاليا في ظلّ «عهد حزب الله» بعدما استطاع الحزب إيصال ميشال عون الى رئاسة الجمهورية في 31 تشرين الاوّل – أكتوبر 2016.

 

ما لم تستطع فرنسا فهمه في ايّ وقت ان المجتمع الدولي لم يعد يميّز، منذ وصول ميشال عون وصهره جبران باسيل الى قصر بعبدا، بين الدولة اللبنانية من جهة و»حزب الله» الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الإيراني من جهة أخرى. لعلّ اخطر ما في الامر انّ العرب عموما فقدوا ايّ امل في عمل شيء من اجل لبنان الذي تحوّل الى قاعدة لتهريب المخدّرات وغير المخدّرات. كان آخر مثل على ذلك مصادرة المملكة العربيّة السعوديّة الملايين من حبوب الكبتاغون في صناديق تحوي رمّانا.

 

كيف يمكن للسعودية الوثوق ببلد لا سيطرة لديه على حدوده وعلى منافذه البرّية والبحريّة والجوّية. كيف يمكن للسعودية التي تخوض حربا في اليمن مع الحوثيين، الذين ليسوا سوى أداة إيرانية، الوثوق ببلد اقام فيه الحوثيون قناة فضائية خاصة بهم، فيما السلطة اللبنانية تتفرّج؟

 

فرضت فرنسا عقوبات على سياسيين لبنانيين ام لم تفرض. لن يغيّر ذلك شيئا. لا امل في انقاذ لبنان، او على الاصح انقاذ ما يمكن إنقاذه من لبنان، في ظلّ موازين القوى الاقليميّة القائمة حاليا. تسمح موازين القوى لسلاح «حزب الله» بالسيطرة على لبنان وهذا ما ترفض فرنسا اخذه في الاعتبار. بكلام أوضح، انّ لبنان الذي تتعاطى معه فرنسا في 2020 و2021 هو غير لبنان ما قبل 2016 و»العهد القوي» الذي يتحكّم به «حزب الله».

 

في النهاية، انّ كل ما قامت به فرنسا حتّى الآن تجاه لبنان يمكن ادراجه في خانة الرغبة في مساعدة البلد. تعرف فرنسا اهميّة لبنان وتعرف خصوصا اهمّية مرفأ بيروت الذي لعبت دورا أساسيا في بنائه قبل ما يزيد على قرن من الزمن عندما كان لبنان لا يزال تحت الحكم العثماني. لكنّه يفترض في فرنسا، قبل ان يلعب رئيسها دور أستاذ المدرسة، التعاطي مع الواقع. يقول الواقع ان مصير لبنان لا يهمّ «حزب الله». ما يهمّ «حزب الله» هو ان يكون لبنان ورقة ايرانيّة في المفاوضات الدائرة حاليا بين «الجمهوريّة الاسلاميّة» والإدارة الاميركيّة الجديدة في شأن الاتفاق النووي الموقع في العام 2015.

 

من المنطقي ان تتصرّف فرنسا في لبنان بطريقة مختلفة تأخذ في الاعتبار ان ميشال عون وجبران باسيل لا يعطلان تشكيل حكومة برئاسة بسبب احقاد شخصيّة فحسب، بل لانّ «حزب الله» يريد ذلك ايضا. يعرف الحزب تماما نقلط الضعف عند رئيس الجمهوريّة وصهره. يعرف تماما انّه يلتقي معهما في مكان ما. هذا المكان هو غياب أي اهتمام بمصلحة لبنان واللبنانيين. هم الثنائي عون – باسيل المستقبل السياسي لصهر رئيس الجمهورية الذي فرضت عليه عقوبات أميركية بموجب قانون ماغنتسكي المتعلّق بالفساد. همّ «حزب الله» خدمة ايران ولا شيء آخر غير ذلك.

 

مرّة أخرى، لا بدّ من العودة الى بيان لـ»لقاء سيّدة الجبل» الذي يضم شخصيات لبنانيّة عاقلة من كل الطوائف والمذاهب والمناطق تعبّر بالفعل عن هواجس اللبنانيين. جاء في البيان الأخير للقاء « يذكّر «لقاء سيدة الجبل» اللبنانيين بأنهم مارسوا حقهم الدستوري بالإنتخاب إثر إنسحاب الجيش السوري من لبنان وذلك في الأعوام 2005 و2009 و2018،  لكنّ حزب الله انقلب على النتائج في المحطات الثلاث مستخدماً سلاحه ونفوذه وتحكّم بلبنان واللبنانيين، لذا يسأل اللقاء عن جدوى تكرار المساكنة بين الديموقراطية والسلاح ؟

 

لقد سقطت الجمهورية ومعها الطبقة السياسية التقليدية جرّاء الإحتلال الإيراني الذي أحكم قبضته على لبنان من خلال استسلام رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء ومعهم غالبية الطبقة السياسية.

 

وأمام انسداد الأفق هذا، هناك من يقترح ومن يفكّر بأن الجيش هو المنقذ. فيما يُجدّد لقاء سيدة الجبل إعلانه وتأكيده أن الجيش ليس هو الحلّ، ويُنبّه إلى أن إبقاء الوضع على ما هو عليه مع تحلّل الجمهورية اللبنانية بكل عناصرها السياسية والادارية والامنية سيقود لبنان إلى مرحلة قد يكون للمؤسسة العسكرية دورٌ محوريٌ فيها.

 

لذلك كلّه، يكرّر «لقاء سيدة الجبل» مطالبته اللبنانيين بالالتفاف حول مبادرة البطريرك بشارة الراعي الداعية إلى عقد مؤتمرٍ دولي مع أصدقاء لبنان من أجل مساعدة اللبنانيين على تنفيد الطائف والدستور اللذين يشكلان الإطار الأصح والأصلح لتنظيم العلاقات اللبنانية – اللبنانية والتمسك أيضاً بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية لا سيما القرارات 1559 و1680 و1701. ويشدّد «اللقاء» على أنه لا أفق للخروج من الأزمة إلا من خلال هذا الحلّ. لذلك يعلن «اللقاء» أنه سيكون، يوماً بعد يوم، في مقدمة الذين يطالبون بهذا المؤتمر من أجل تحرير الشرعية اللبنانية من قبضة الاحتلال الايراني وحزب الله، ومن أجل تأمين حياد لبنان في هذه اللحظة المصيرية التي تعيشها المنطقة».

 

يشكّل ما ورد في البيان الاطار العام للازمة العميقة التي يعيش في ظلّها لبنان. يمكن للبيان مساعدة فرنسا في امتلاك فهم افضل للمأساة اللبنانية. هل تستطيع فرنسا عمل شيء في ضوء المعطيات التي يحددها بيان «لقاء سيدة الجبل» بكل وضوح… ام ان زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستنتهي بالطريقة التي انتهت بها زياراته السابقة، أي كلام كثير وفعل قليل في بلد ينهار اكثر يوميا من دون وجود قعر لهذا الانهيار.