IMLebanon

فرنسوا الحاج.. “لواء” زمن الانتصارات على الإرهاب

 

“المعركة مع الارهاب طويلة الامد، ولا تنتهي بانتهاء معارك نهر البارد”. هي جملة كان أطلقها اللواء الشهيد فرنسوا الحاج خلال الفترة التي كان يقود فيها الجيش أهم معاركه مع الإرهاب في الداخل اللبناني المثمثل حينذاك بتنظيم “فتح الإسلام” بقيادة شاكر العبسي. هو لواء كان يؤمن بالروح الإستقلالية وبذل الغالي والنفيس في سبيل تحقيق الاستقرار وتثبيت دور المؤسسة العسكرية كجهة رسمية وحيدة مخوّلة الدفاع عن لبنان وحفظ الأمن على كافة أراضيه.

 

في الثاني عشر من كانون الأول العام 2007، كان الوطن على موعد مع خسارة أحد أعمدة جيشه وخيرة ضباطه. اللواء الشهيد فرنسوا الحاج، إسم أشهر من أن يُعرّف في عالم العسكر ومكافحة الإرهاب والإستعداد لمخططاته وهو الذي طبع اسمه في ساحات الشرف وعرف بإبتكاراته العسكرية وتكتيك الحروب ضد العصابات الإرهابية، فكان أن انتصر عليهم بعدما حوّل البارود إلى كتل من نار التفّت حول الجماعات الإرهابية وأرغمتها على الاستسلام في مخيّم “نهر البارد” الذي لا يتطابق اسمه لا مع حماوة المعركة التي خاضها الجيش ولا مع حجم التضحيات التي قدمها والتي بلغت في نهاية المعركة 168 شهيداً ومئات من الجرحى جزء كبير منهم إصاباتهم وصفت بالخطيرة.

 

تسترجع ذاكرة اللبنانيين ذاك التاريخ المجيد والمُكلّل بالإنتصار وتستجمع الجزء الاخير من الأحداث لتصل إلى محطاتها الأخيرة. بعد ثلاثة أشهر ونصف الشهر من بدء معركة “نهر البارد” فجر الأحد 20 أيار واستمرارها كراً وفراً، وتقديم الجيش مئات الشهداء والجرحى، انتهت المعركة في 2 أيلول بنصر ساحق على الإرهاب، وبفورة من الابتهاج عمت مناطق الشمال كما بقيّة المناطق اللبنانية. يومها أصدرت مديرية التوجيه في قيادة الجيش بياناً وصفت فيه الفصل الأخير من المعركة جاء فيه: “فجر اليوم هاجم مسلحو “فتح الإسلام” مراكز الجيش في محاولة يائسة للفرار من نهر البارد، تصدّت لهم قوى الجيش وأوقعت في صفوفهم عدداً كبيراً من القتلى والأسرى. وفي هذه الأثناء، تتابع قوى الجيش مهاجمة معاقل ما تبقى من المسلَّحين وملاحقة الفارين منهم خارج المخيم”.

 

من خلال فتح معركة “نهر البارد”، أراد أعداء الوطن يومها العودة به إلى زمن التقاتل والإغتيالات، فكانت المؤسسة العسكرية هذه المرّة هدفهم، وعلى الرغم من أن اللواء فرنسوا الحاج هو أول ضابط في تاريخ الجيش اللبناني يُغتال عن طريق تفجير عبوة عن بعد، إلّا ان عملية إغتياله بحد ذاتها لم تكن منفصلة على الإطلاق عن مسلسل الاغتيالات الذي بدأ بمحاولة اغتيال النائب مروان حمادة مرورا بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وثلّة من رفاقه وصولاً إلى اغتيال الوزير محمد شطح. ومن المعروف أن اللواء الحاج لم يعرف التراجع خلال المعركة ولم يقف يومها عند “الخطوط الحمراء” بل تجاوزها عندما وحّد عناصره ضمن عقيدة واحدة وراية خفّاقة كانت زرعت بشائر النصر القادم في قلوب اللبنانيين وضمائرهم وحملتهم إلى الوقوف صفّاً واحداً خلف مؤسسة ما زالت تُسطّر الملاحم البطولية في ميادين العزّة والشرف.

 

أراد قتلة اللواء فرنسوا الحاج من خلال اغتياله، ضرب الروح الاستقلالية التي كان يزرعها في كل يوم داخل المؤسسة العسكرية، المؤسسة التي استرجعت يومها هيبتها كقوّة عسكرية أساسية قادرة على فرض الأمن والإستقرار من دون منّة أو مساعدة من أحد. وفي ذكراه العاشرة، يُجمع أصدقاء الحاج ورفاق دربه على أنه خلال 36 عاماً أمضاها في المؤسسة العسكرية في الجيش مقاتلاً في وحداتها المقاتلة وصولاً إلى تسلمه موقع مدير العمليات العسكرية، كان مقاتلاً شريفاً وفارساً بكل ما للكلمة من معنى. ولطالما ردد الشهيد أمامهم أن الجيش هو ضمانة لكل المؤسسات الأخرى ولكل الشعب اللبناني الذي ورغم حالات الإنقسام التي حاولت بعض الجهات زرعها بينه، قرّر في لحظة مصيرية أن يتناسى خصوماته وصراعاته الداخلية والوقوف قلباً واحداً إلى جانب جنود روت دماؤهم نهراً بارداً وبحراً لفظت أمواجه جثث الإرهابيين حتّى لا تلوّث ماءه المالح الذي تعمد بدماء أبناء الوطن.