IMLebanon

عتق شيعة لبنان!

ليس كل شيعة لبنان هم حزب الله٬ ولكن كل حزب الله من شيعة لبنان٬ وفي هذا الجو العربي هائل الاضطراب٬ وبسبب التداخل السياسي بالجانب الديني والمذهبي وبالمصالح القومية للجمهورية الإيرانية٬ اختلطت بدورها المفاهيم وتعقدت العلاقات٬ حتى غابت عن الكثيرين الركائز الأولية والأساسية لمفاهيم المواطنة٬ والولاء٬ والدفاع عن فلسطين والحدود بين الوطنية والعمالة للخارج٬ وفي نفس الوقت يتدفق الدم ساخًنا على جبهات كثيرة٬ ليس لغرض إلا بسبب الدفاع عن مصالح دولة إقليمية٬ وُيغرر بالرجال والشباب في دفعهم إلى الموت بشعارات كاذبة. في هذا الجو٬ بعض أهل الرأي في لبنان على وجه التحديد يسعون جاهدين لبيان الفرق بين «دولة ولاية الفقيه» وبين «أنظمة» دول الخليج٬ دوافعهم في ذلك ملتبسة وغير محصورة فقط في «الآيديولوجيا»٬ بل هي خليط من الانتهازية والخوف٬ حتى يروا الباطل حًقا والحق باطلاً! لأنهم لم يذوقوا مباشرة «تبريكات جنة الفقيه» في السجون أو على أعواد المشانق! ولا يتصوروا النتائج الكارثية التي تسببها مواقفهم تلك على النسيج العربي المثقل بالجراح!

في هذا الجو الملتبس طلع علينا السيد حسن نصر الله الأسبوع الماضي في خطاب خلف شاشات التلفاز كالعادة٬ ليكرر نفس الاختلاقات٬ وقد لاحظت خمًسا منها على وجه التحديد٬ صارخة الادعاء. وقد يختلف كثيرون في توصيف الرجل٬ إلا أن كثيرين أيًضا لا يستهينوا بذكائه٬ وقد يخون الذكاء أصحابه٬ كما يفعل مع السيد حسن في أكثر الأحوال في الفترة الأخيرة. قال في ذلك الخطاب الذي خصصه لمناصريه٬ إن الإسرائيليين بعد (هزيمتهم في عام 2006 (أدخلوا كل المعطيات الناتجة من الحرب إلى حجرات الدراسة واكتشفوا (لا أعرف من سرب له ذلك الاكتشاف)؟ أن مربط الفرس وظهير المقاومة هو في سوريا٬ التي تدعم

«المقاومة» فقرروا كسر ذلك الظهر٬ وهكذا اندلعت «الانتفاضة» السورية٬ بناء على تخطيط إسرائيلي في تحليل نصر الله! هكذا أطروحة٬ كيف لعاقل فطن أن ُيصدقها! طبًعا المناصرون يصدقون السيد حسن في أي شيء يقوله٬ كما صدق نيقولاي الثاني قيصر روسيا الراهب غريغوري بافيموفيتش (الذي لُقب براسبوتين٬ أي الفاجر)٬ لكن ليس كل العرب هم على شاكلة نيقولاي الثاني٬ فقط مناصرو السيد حسن! أين يمكن التصديق أن انتفاضة شعب بكامله ضد الطغيان٬ وكل هذه الدماء التيُتسفك يومًيا وكل هذا الدمار في القرى والمدن السورية٬ هي فقط لأن «نظام بشارُيعاقب على دعم المقاومة»٬ ألا يوجد أحد رشيد لدى مكتب السيد ليقول له «هذه واسعة شوية»٬ حتى لو هز له مشاهدوه من خلال التلفاز رؤوسهم. تلك واحدة من الخمس٬ أما الثانية فقوله في ذلك الخطاب إن نقص الدعم للمقاومة» هو خوف الناس من اتهامهم بدعم «الإرهاب»٬ لأن منظمته يتوسع تصنيفها بـ«الإرهابية»٬ كال اللمز والغمز إلى المؤسسات المالية اللبنانية٬ لأنها انصاعت إلى تعليمات المؤسسات الدولية!! نقص الدعم كما يعرف السيد هو بسبب الأعباء المتزايدة على نظام إيران وتراجع أسعار النفط من جهة٬ وضبط التجارة بالمخدرات من جهة أخرى٬ وليس هناك سبب آخر٬ فهو يدعو المناصرين على الاستمرار في الدعم من أجل أن يرسلوا أبناءهم إلى القتل في الأرض السورية! حيث قال: «الناس الذين يدعموننا هم الأساس»! ثم يفجر الثالثة (الواسعة جًدا) أن المملكة العربية السعودية لم تتحمل «نقد» أحد أعضاء مجلس الأُمة الكويتي٬ وهددت الكويت «بقطع العلاقات» إن لمُيردع ذلك الشخص!! طبًعا لا يعتبر السيد حسن ذلك (تدخلاً في الشؤون الداخلية للآخرين)٬ لأنه غير معني بذلك٬ وليست لديه ذرة اعتبار للدولة التي يتحدث فيها وهي لبنان!! كما لم يتردد في إبداع الكذبة٬ ولكن القضية أنه أو مستمعيه ليسوا على علم بسوية العلاقة الكويتية/ السعودية أو بشعور أهل الكويت تجاه «التعدي الفاجر» على المملكة٬ فهو بالضبط تعٍد على الكويت أيًضا٬ كما لم يسمع السيد حسن الاحتجاج الإيراني غير المبرر لأن أحدهم تحدث في مجلس عام عن «ظلم الأحوازيين» في إيران! أما الرابعة في ذلك الخطاب قول السيد إن الولايات المتحدة تشجب تطوير الصواريخ الإيرانية٬ قال إن «تلك الصواريخ دفاعية فقط»٬ وهنا يتحول الداعية ذو العمامة إلى خبير عسكري لاُيشق لُهُغبار٬ كي يقنع الولايات المتحدة٬ أن  تعتبر تلك الصواريخ «إنسانية الهدف والمبتغى»٬ أما الخامسة فهو إرساله الشكر لكل من وزير الخارجية العراقي٬ وأيًضا إلى تونس والجزائر وحتى إندونيسيا٬ لأن كل تلك الدول والأفراد بشكل أو بآخر «امتنعوا» عن الموافقة أن حزب الله «منظمة إرهابية»٬ المعنى هنا هو أن الحزب «الذي يشكل في أحسن الأحوال جزًءا من اللبنانيين» يشكر الدول٬ رأًسا برأس! الغريب أنُه لم يشكر وزير الخارجية اللبناني على موقفه! ربما وجد أن ذلك الموقف «واجب» ولي «تفضلاً» ! ُثّم يذهب السيد لُيلقي بكل ثقله إقناًعا لمقتنعين من أنصاره٬ أن بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل «علاقات»٬ هذا النوع من الاستخدام الديماغوغي (الراسبوتيني) ليس جديًدا٬ الجديد أنه أولاً أراد أن يقول إن هناك علاقة٬ وذلك ليس له منطق٬ُثّم وهو الأهم٬ ماذا عن فضيحة «إيران كونترا»٬ المعروفة التي تسلمت فيها إيران سلاًحا إسرائيلًيا!! والتي وصفها التاريخ أنها «المصالح فوق المبادئ»! بل والأكثر من ذلك ما نقله موقع تلفزيون روسيا اليوم٬ من أن ست محطات تلفزيونية تمولها إيران وناطقة بالعربية تبث على القمر الإسرائيلي (عاموس) وروسيا صديقة (للمقاومة)٬ فلا يمكن أن تفتري عليها!! ربما اعتمد السيد على النسيان لجمهوره أو المخادعة له٬ أو خانُه الذكاء!

في الموضوع اليمني يدافع السيد عن موقف الانقلابين٬ ولكن الأنكى أنُه يدافع عن موقف علي صالح أيًضا٬ فيربط الاثنين ببعضهما٬ ومستمعوه يعرفون أن علي صالح انتفض عليه الشعب اليمني بكل أطرافه وطالبه بالرحيل٬ ولكنه من جديد٬ خلط للأوراق لا أكثر. ويلمح في الشأن الداخلي اللبناني عن انتخاب الرئيس٬ ثم يقول عليكم بسؤال السعودية عن عدم انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية؟٬ يا سبحان الله! ما هذه التخريجة الفذة٬ إلا أنه كان يقصد أن إيران تريد مقايضة وجود رئيس جمهورية في لبنان بقبول الأسد «إلى الأبد» في سوريا٬ والمملكة العربية السعودية منحازة في ذلك للشعب السوري وترفض بقاء الأخير! هذا هو المعنى الوحيد لذلك التخريج العجيب في الخطاب!

لا يترك السيد حسن نصر الله الأمور في نهاية الخطاب حتى يستعير «تخريجات» تحليلات مقاهي بيروت السياسية٬ فيرى أن لا مخرج من كل ما نرى في المنطقة في الأشهر الستة القادمة أو يزيد٬ لأن السعوديةُتراهن على تغيير في واشنطن٬ فهي لن تقدم أي تنازل!

لقد بلي الحديث عن «محور المقاومة» كما بلي الحديث عن «الدفاع عن المقدسات» ما بقي لحزب الله إلا أنُيحافظ على باقي الأنصار٬ فقد قرب انعتاق معظم شيعة لبنان عن الحزب الذي رهن نفسه للولي الفقيه٬ وسقطت أوراق التوت عن عمامة السيد.

آخر الكلام: راسبوتين٬ الفاجر٬ رجل دين تدخل في السياسية بطريقة مشعوذة٬ وقد عّجل٬ كما قال لنا التاريخ٬ بحلول الشيوعية في روسيا٬ فهلُيعجل راسبوتين لبنان بحلول الحرية في سوريا!؟