IMLebanon

فرنسا على وشك التحوّل إلى عدو!

 

لا يبدو أن الإدارة الفرنسية في وارد تغيير جلدها. لا أحد يتوقّع ذلك. وإذا كان الفرنسيون يدعمون إدارة تودي بهم إلى التهلكة داخلياً وخارجياً، فهذا شأنهم، كحال شعوب الدول الغربية، التي تنتج حُكومات تعمل وفق سياسة القمع والاضطهاد وسرقة موارد الدول الفقيرة. فكيف ونحن نرى نتاجها في فلسطين!المُخضرمون من غير الفرنسيين، والذين عاشوا عقوداً طويلة في هذا البلد، يقرّون جميعاً – دون استثناء – بأنه لم يسبق لهم أن وجدوا عقلاً مُتصهيناً إلى هذا الحد، ليس على مستوى أركان الدولة من السياسيين فحسب، بل على مستويات الإدارة والأكاديميا والإعلام والثقافة أيضاً. ويقول أحد هؤلاء: فرنسا تحكمها أصولية علمانية، لا تحب الكنيسة، وتكره اليهود ولا تريدهم على أراضيها، وتكره المسلمين، وترغب بإعادتهم إلى بلادهم الأصلية. لكنها أصولية تقف إلى جانب إسرائيل. التي ترى فيها حليفاً أساسياً، في معركة استعادة الهيمنة على دول المنطقة. ويلفت، إلى أنه لا يوجد عاقل في فرنسا، ينفي صفة الإجرام عن إسرائيل. لكنّ هؤلاء، لا يجدون الإجرام متعارضاً مع مصالحهم. لكن، كيف يُتخذ القرار في فرنسا الآن؟

يؤكد المُخضرم أن الرئيس إيمانويل ماكرون أجهز على الإدارة العامة في فرنسا. والأمر لا يقف عند وزارتَي الدفاع والخارجية كما يعتقد الناظر إلى فرنسا من الخارج، بل همّش كل الوزارات الأخرى، وحصر القرار به شخصياً، وهو أمر يشكو منه العاملون في وزارات الداخلية والتربية والصحة وحتى الخدمات العامة. ولا داعيَ للسؤال عن الاقتصاد والأمن؟

أما بما خصّ تعامل فرنسا مع العدوان الإسرائيلي على غزة، يجد المعارضون لماكرون صفة واحدة لكل ما يقوم به وهي: الغباء!

قد يكون ماكرون غبياً، وهو كذلك، لكنّ صفة الغباء التي تُطلق عليه في بلاده، هدفها القول، بأنه غير مؤهّل لتحقيق مصالح فرنسا. وبالتالي، لا تعني، أن هؤلاء يرون مصالح بلادهم في مكان آخر.

ولندخل في الموضوع الساخن الآن، إذ اصطفت فرنسا سريعاً إلى جانب كل الطغاة في دعم العدو وتبرير جرائمه ضد الفلسطينيين، وتحمّس ماكرون للذهاب إلى تل أبيب والتقاط الصور مع قادة العدو. وعندما عاد إلى باريس، وجد أن الجمهور غاضب من صور جرائم إسرائيل، ولا إمكانية لحجبها عن العامة، فتلعثم ببعض العبارات عن الإنسانية، ثم عاد ليعرض خدماته في الحرب على فلسطين. وفاضت قريحته بفكرة التحالف الدولي ضد «حماس»، على غرار التحالف الدولي ضد «داعش»، وجال وصال إلى أن عُقد الأربعاء الماضي، في باريس، مؤتمر هزيل انتهى إلى تكليف الأجهزة الأمنية بإعداد قوائم بأسماء قادة وكوادر المقاومة لوضعها على لوائح الإرهاب.

صفّق له الإسرائيليون قليلاً، لكنهم قالوا له إن ما تريده إسرائيل من فرنسا يتعلق بلبنان. وطلبوا منه عدم تضييع وقته في البحث عن دور في غزة أو مع الفلسطينيين، وأن علامة النجاح التي سيحصل عليها رهن ما ينجزه على الجبهة اللبنانية.

ماكرون يعتقد أن بمقدوره فرض صيغ على المقاومة في لبنان، مستنداً إلى قراءات خيالية عن الوقائع الميدانية

 

لوهلة، ظنّ الفرنسيون أن إسرائيل تريد أن تبعث معهم رسائل تهديد إلى لبنان وحزب الله. وهم سبق أن قاموا بالأمر، مراراً وتكراراً، منذ السابع من أكتوبر الماضي، ولم يحصلوا على جواب يشفي الغليل، فماذا تريد إسرائيل أيضاً؟

 

قال الإسرائيليون لفرنسا إنهم يريدون منها دوراً فعالاً وعملياً، لا كلامياً فقط، من أجل تطبيق «التفسير الإسرائيلي» للقرار 1701، وسارع العدو إلى رمي الملف على الطاولة:

1 – مُمارسة أعلى درجات التهويل على حزب الله بأن الحرب آتية في حال لم يذعن.

2- حثّ بقية المجموعات اللبنانية، على القيام بخطوات سياسية لمحاصرة حزب الله، ودفعه إلى التنازل.

3 – حثّ بقايا «الدولة اللبنانية»، وفي مقدّمها الجيش اللبناني، على إعداد نفسه، لدور أكبر في جنوب لبنان، والاستعداد لتحمّل المسؤولية، ليكون شريكاً كاملاً للقوات الدولية العاملة في الجنوب، في سياق التطبيق الكامل والقسري لمُندرجات القرار 1701.

4 – الدخول، في نقاشات، ذات بُعد أمني وعسكري وسياسي مع الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا ودول عربية، من أجل ضمان تعزيز القوات الدولية، ورفدها بالعديد والعتاد، من أجل ضمان قدرتها على تنفيذ القرار.

المُشكلة أن فرنسا، تبدو مقتنعة بهذه المُهمة، بل مُتحمّسة لها بقوة، وهي تتصرّف على أنها انتصرت في الخطوة الأولى، المُتمثّلة بالتمديد لولاية قائد الجيش العماد جوزيف عون، رغماً عن أنف حزب الله وحليفه المسيحي جبران باسيل.

لكنّ فرنسا، التي لا ينقصها الاستعلاء، تعتبر نفسها في موقع الوصي على لبنان، وتعتقد أنها المعبر الأخير له إلى «العالم المتحضّر»، ولديها قراءة لوقائع ما يجري في الجنوب من مُواجهات بين المقاومة والعدو، وهي تعتقد بأن «حزب الله» ليس في وضع جيد، لا بل تعتقد، مثل أوروبيين آخرين، بأن محور المقاومة كله في وضع غير جيد، وأنه أقرب إلى ظاهرة صوتية منه إلى تحالف فعلي. وبناءً عليه، تفكّر فرنسا، بأن حزب الله، في وضع يسهل الضغط عليه، لإلزامه بصفقة سياسية، تُنتج وضعاً أمنياً وعسكرياً جديداً في الجنوب، وبالتالي، يتحقق طلب العدو، بمنع وجود المقاومة جنوب نهر الليطاني.

عند هذا الحدّ، لا يبقى الأمر رهن قراءة لعقلية أو طريقة تفكير. ولا يقف عند التصرفات الخرقاء للنزق جان إيف لودريان، أو الوزيرة المتحاذقة كاترين كولونا، أو بقية الفرقة من الموظفين، ولا سيما منهم «الحاقد» برنارد إيمييه، بل صار الأمر، يتعلق بسلوك عام، عنوانه الوحيد، أن فرنسا تقوم بالأصالة عن نفسها، وبالإنابة عن الغرب بقيادة أميركا، وبالوكالة عن إسرائيل، بشنّ حرب ضد المقاومة في لبنان، وفي فلسطين أيضاً.

الله وحده يعلم، أي صفعة تنتظرها فرنسا، حتى تستفيق من أحلامها. لكن، وجب لفت الانتباه، الآن إلى أن فرنسا على وشك أن تتحوّل إلى عدو… يسير في أرض معادية!.