الإستحقاقات اللبنانية تنتظر التفاهمات الإقليمية بعد الإتفاق النووي الإيراني
توقّع تحرّك فرنسي – فاتيكاني في أيلول لإحداث خرق في جدار الأزمة الرئاسية
مقاربة دولية جديدة لملفات المنطقة تستدعي من لبنان الحذر والذهاب في اتجاه ترتيب وضعه الداخلي
ينتظر الكبير والصغير في لبنان أن تبدأ مفاعيل الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية بالترجمة الفعلية على أرض الواقع، علّ وعسى أن يستفيد لبنان من هذه النقلة النوعية في العلاقة بين طهران وواشنطن والتي سيكون لها بالغ الأثر في مقاربة الملفات المفتوحة في المنطقة وخصوصاً تلك الملفات الملتهبة إن في اليمن أو العراق أو سوريا، للإنصراف في اتجاه ترتيب البيت الداخلي والذي يأتي في أولويته إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.
صحيح أن لبنان لا يمكن أن يحصد إيجابيات هذا الاتفاق بكبسة زر، غير أنه حكماً سينتقل من مرحلة التجاذبات والمماحكات السياسية إلى حالة من الاسترخاء الهادئ بانتظار تبلور الأمور أكثر ومعرفة اتجاه مسار رياح المنطقة والتي على أساسها تجري عملية معالجة الملفات الراهنة.
وفي هذا السياق تقول أوساط سياسية لبنانية واسعة الاطلاع أنه لا شك أن هذه الاتفاق الذي تمّ التوقيع عليه بين إيران والغرب وتحديداً بين واشنطن وطهران سيخلق جواً من الانفراج في الفترة الأولى، ما لم تُقدم إسرائيل على عمل ما يعكّر هذا الجو، ومن المنتظر أن تقوم أميركا والدول الأوروبية بجولة مفاوضات مع السعودية ودول الخليج لشرح ما جرى واستيعاب الحذر السعودي والتحفّظ الخليجي عموماً حيال الاتفاق، تماماً كما حصل في كامب ديفيد عندما تمّ التوقيع على الاتفاق بصيغته غير النهائية عندما دعا الرئيس باراك أوباما قادة الخليج للإجتماع واعتذر آنذاك العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز.
كيف يمكن ترجمة الانفراج على أرض الواقع؟ في رأي هذه الأوساط أنه لا يمكن ترجمة الإتفاق عملياً في الشرق الأوسط إذا لم يسبقه إتفاق سعودي – إيراني وتفاهم أميركي – إسرائيلي، مشيرة إلى أن نقاط الإنفراج ستكون على الملفات التالية: اليمن، العراق، سوريا، والوضع الكردي، ولبنان، وفي الأولويات سيكون اليمن المشتعل لأن الدول يهمّها إنهاء عاصفة الحزم، ويأتي العراق في المرتبة الثانية وهو المشتعل من قبل «داعش» و«النصرة»، وثالث هذه الملفات سيكون الملف السوري حيث أن سوريا ومن خلال واقعها الحالي قد انتهت كياناً كدولة واحدة، ولبنان الملف الرابع بالتوازي مع الملف الكردي لأنهما ملفان في مرحلة الانتظار ولا يشملهما الحريق المندلع في المنطقة.
وفي تقدير الأوساط أن الفاتيكان وفرنسا سيحاولان إحداث خرق سياسي في لبنان على صعيد الانتخابات الرئاسية ابتداءً من إيلول وتشرين المقبلين، لكن لا شيء يسمح بالقول بأن الطموح الفرنسي والفاتيكاني سينجح في إنجاز هذا الاستحقاق، أنه لا يوجد أحد من الطرفين المعنيين أي أيران والسعودية سيبادر إلى تسليم أي ورقة من أوراقه قبل حصول الاتفاق الإقليمي، وهذا الأمر دونه مسافات، لأن الاتفاق السعودي – الإيراني ليس لقاء بين رجلين إنما هو مشروع حل لأزمات المنطقة، أي استتباع الاتفاق النووي بآخر جغرافي.
وتذكر الأوساط أنه في العام 2010 حصل تفاهم سوري – سعودي وكانت إيران جزءاً منه، وقد تمّ الاتفاق آنذاك على قضايا عديدة في المنطقة، واليوم وقبل إعادة الاتفاق على الملفات المطروحة لن يكون لبنان على لائحة الحلول القريبة الأجل.
وتُعرب الأوساط السياسية واسعة الاطلاع عن اعتقادها بأن إيران بعد فك الحظر ستكون أقوى من المرحلة السابقة ومَنْ يظن أن طهران ستتنازل عن أية ورقة جغرافية في المنطقة سيكون مخطئاً، فإيران لم تبحث عن طاقة نووية إلا لتقوية مشروعها الجغرافي ونفوذها على مستوى المنطقة وليس العكس، بمعنى آخر إن إيران ستستعمل علاقاتها الجديدة ليس لإضعاف دورها إنما لتعزيزه، ولكن من الممكن أي يكون ذلك من خلال منهجية سياسية أكثر مرونة وانفتاح، وفي المقابل فإن أميركا لم توقّع هذا الاتفاق مع إيران لإضعافها إنما لتتقاسم وإيّاها النفوذ في المنطقة، وستكون الأنظار في المرحلة القادمة متجهة نحو الداخل الإيراني حيث سيُصار إلى وضع حدّ للتيارات الرافضة في مقابل تعزيز الاعتدال.
من هنا فإن الأوساط ترى أن على لبنان إنتظار الإتفاق الإقليمي وليس الإتفاقات الدولية لحل أزماته، لأن القوى التي تتحرك في المنطقة لديها حرية القرار، وإن كان تحركها في بعض جوانبه يتم من خلال إيحاءات دولية.
وفي رأي الأوساط فإن المنطقة دخلت مرحلة جديدة بعد توقيع الاتفاق النووي، وأنه بلا شك سيكون هناك خارطة طريق جديدة في ما خصّ مقاربة الملفات المفتوحة وهو ما يستدعي على المستوى اللبناني المزيد من الحذر والتنبّه والذهاب في اتجاه تحصين الوضع الداخلي تحسباً لأي جديد، لأن صورة المشهد الإقليمي ستشهد مع قابل الأيام الكثير من التعديلات والترتيبات بنتيجة واقعية لارتدادات الاتفاق الذي سيتفرّع عنه الكثير من الأمور ذات الصلة.
وتلفت الأوساط النظر إلى أن اعتبار أي فريق لبناني أن ما حصل يصبّ في مصلحته هو خاطئ، حيث أن أي تسوية محتملة حكماً لن تكون لصالح فريق على حساب فريق آخر، وأن المطلوب من القيادات اللبنانية توظيف هذه المناخات المستجدة في سبيل ترتيب البيت الداخلي بدءاً بالانتخابات الرئاسية المعلّقة على حبل التفاهمات الإقليمية، مروراً بقانون جديد للانتخابات، لأن هناك فرصة جيدة وخطوة مهمة في سبيل تحقيق هذه الخطوات وانتشال لبنان من مربع الشلل والفراغ على المستوى التشريعي والتنفيذي.
وتعتبر الأوساط أن عدم اغتنام لبنان فرصة التقارب الدولي ستكون له عواقبه على كافة المستويات، إذ أن هذا الاتفاق ما كان ليحصل لو لم يكن هناك تنازلات متبادلة عن بعض النقاط، وهذا الأمر يجب أن يسري على الوضع اللبناني بحيث يتم الأخذ بقاعدة التنازلات المتبادلة للوصول إلى تفاهمات على المواضيع الخلافية، مشددة على أن الاتفاق الدولي سيكون بمثابة المظلة لأي تفاهمات إقليمية محتملة.