IMLebanon

من القاهرة الى أعزاز

برحيل كبير صحافيي العرب من دون منازع، محمد حسنين هيكل، ربما تكون قد طويت آخر صفحة في كتاب جمال عبد الناصر. فلقد كان هذا الصحافي صنّاجة الحقبة الناصرية، والمدافع الشرس عنها في ما بعد إنتهائها في الحكم بوفاة عبد الناصر في أيلول 1970… الذي لو بقي حياً بضع سنوات إضافية لما وقعت حرب لبنان، وهو ما يقوم شبه إجماع عليه.

ولقد أدّت تداعيات الرحيل المزلزل لعبد الناصر الى قيام «حكم الإنفتاح» في مصر برئاسة أنور السادات الذي عقد إتفاق كامب دايفيد مع «إسرائيل» ما اضعف دور مصر في العالم العربي، الى أن انتهى هذا الدور بعد إغتيال السادات وقيام حكم حسني مبارك.  وبغياب مصر فلت الملق فبدأت الأمة تتخبط في مغامرات غير محسوبة (إحتلال صدام حسين الكويت) وصراعات وحروب عبثية، وتضييع البوصلة في مرحلة ما سمي بـ«الربيع العربي» وحتى اليوم، وما تخلل ذلك من مآسٍ وفواجع أبرز معالمها ثلاثة: تدمير سوريا، وتفتيت العراق ومأساة حرب اليمن.

صحيح أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يسعى لاستعادة الدور، إلاّ أنّ الأمر ليس بالبساطة المعهودة، خصوصاً وأنّ الأزمات وصلت الى نقطة اللارجوع سواء أفي اليمن أم في سوريا وكذلك في العراق حيث أقيمت «دولة» الأكراد، وتمددت دولة «داعش» (وهي الآن تتقلص تدريجياً) وتعزز الإنقسام بين المواطنين على قاعدة سنّي- شيعي علماً أن الشعب العراقي معروف عنه (أو انه كان معروفاً عنه) التزامه قوميته العربية لا فرق بين المواطنين على أساس مذهبي… فأنت لا تستطيع أن تميز  بين العراقيين من منهم سنّي أو شيعي أو مسيحي أو أزيدي أو صائبي…

وتكفي نظرة واحدة الى بلدة أعزاز، داخل سوريا، المتاخمة للحدود التركية – السورية لنلمس الى أي مدى أصاب التردي والوهن هذه الأمة، وإلى أي مدى تحوّلت سوريا ملعباً للجميع إلاّ للعرب المغلوبين على أمرهم والذين يبدون عاجزين إلاّ عن الصراخ. إذ فيما تتضاعف المؤتمرات من أجل سوريا (هل هي لسوريا فعلاً أو أنها عليها؟!) يبدو الدور العربي مفقوداً كلياً. ولو توقفنا، أمس تحديداً، أمام بضعة مواقف دولية لوجدنا الآتي:

– القيادة السورية تندّد بالوسيط الدولي دوميستورا وتتهمه بالإنحياز ضدّها.

– الخارجية الروسية متفائلة ببدء تنفيذ إتفاق ميونيخ لوقف إطلاق النار.

– واشنطن لا ترى وقفاً لإطلاق النار.

– تركيا تريد منطقة آمنة (وحظر الطيران في أجوائها) تمد في عمق عشرة كيلومترات لكي تضم أعزاز (التي إختطف فيها الحجاج اللبنانيون في السابق). وعلى واشنطن أن تختار بين تركيا والوحدات الكردية في سوريا.

– روسيا: المنطقة الآمنة ممنوعة إلا بموافقة الرئيس بشار الأسد.

– طهران تدعم الموقف الروسي وستتلقى مجموعة طائرات روسية مقاتلة من طراز سوخوي 30 المتطورة، إضافة الى دفعة جديدة من صواريخ S300 .

– الأمم المتحدة: فوضى مطلقة على الحدود التركية – السورية تهدد بانفجار غير محدود.

وبعد، أين الصوت العربي الحقيقي (… والفاعل) في ذلك كله؟

رحم اللّه محمد حسنين هيكل وقبله جمال عبد الناصر.