IMLebanon

من سلمان بن عبدالعزيز إلى «نقفور»

 

«كان على السعودية أن تتريث قبل قرارها قطع العلاقة مع الكنديين، فالمسألة لا تستحق هذا التضخيم، طرد للسفير وإيقاف الأنشطة التجارية بين البلدين، وما سيترتب على ذلك من الإضرار بمصالح الطلاب المبتعثين. ما المشكلة في أن تتدخل كندا لمصلحة «مريديها» الموقوفين؟ تجاوزت الخطوط الحمراء، هذا صحيح، لكن كان بالإمكان إماتة الباطل بغض الطرف عنه، بدل المسارعة إلى خلق خصومة سياسية «جديدة»! ما هو أقصى شيء يمكن أن يحدث لو تحلى السعوديون بالحكمة في مواجهة تلك الصفاقة؟ ستصبح سنّة يقتفي أثرها الآخرون كلما صدر عن السعودية ما لا يعجبهم؟ ليكن، فما الضير طالما أن البراغماتية السياسية تبيح الانحناء للعواصف؟ كل ما على السعوديين فعله هو الاستمرار في طأطأة رؤوسهم، والله كريم».

 

 

هكذا يتناول البعض موقف الرياض من الرعونة الكندية، في مشهد ممل يكرر محاولة اغتيال مفاخر السعوديين بالتثبيط والتشكيك، عند كل منعطف تصون فيه السعودية كرامتها. مع ملاحظة أن الجهات التي أخذت على عاتقها القيام بذلك هي ذاتها التي تشعرها مواقف السعودية بالنقص على الدوام.

 

حين كتبت مقالتي للأسبوع الماضي، وحملت عنوان: «هل السعودية تصنع أعداءها حقاً؟»، فإنني لم أكن أعلم بأن المصادفة ستقود الخارجية الكندية إلى تقديم الدليل القاطع على ما ذهبتُ إليه، من أن «المستهدف في السعودية حزمها، وليس أي شيء آخر»، بسبب قطعه طرق إمداد الجبناء، ممن يقتاتون على فتات المواقف المتلونة، إذ إن اعتبار السعودية لقيمتها يجبُّ الادعاءات المزيفة التي يناصب أصحابها السعوديين العداء، بداية من رضوخ أردوغان إلى روسيا في حادث إسقاط الطائرة الروسية بعد صولاته وجولاته المايكروفونية، مروراً بتوقيع قطر مذكرة تفاهم مع الجانب الأميركي لمكافحة تمويل الإرهاب، وهي التي تملصت من قمة الرياض الإسلامية- الأميركية بسببها، وانتهاء بـ «الخرس» الإيراني أمام سيل الضربات الإسرائيلية المذل في سورية! من هنا نفهم بأن حسابات «مثلث الهدم» وملحقاته العدائية لها ما يبررها، فالسعودية تتطابق أفعالها مع أقوالها، الأمر الذي لا تطيق النوايا المبيتة معه صبراً.

 

بالعودة إلى ما يطرحه المناهضون للسعودية على طول الطريق، فإن مصير المبتعثين قد يكون أبرز ما جاء في احتجاجاتهم، أما باقي الاعتراضات فهي بلا قيمة من الناحية الموضوعية، سوى تعريتها أكثر لانحياز مروجيها. في شأن الطلاب والمرضى ومن في حكمهم، فإن المجتمع بكافة أطيافه يقف إلى جانبهم، بمن فيهم الحكومة السعودية التي شكلت فرق عمل متخصصة هدفها تسهيل إجراءات انتقالهم إلى دول أخرى.

 

من جهتهم، كشفت مقاطع فيديو لسعوديين في كندا حجم الوعي عندما يتعلق الأمر بـ «سيادة الوطن»، خصوصاً أن الجميع يعلم بأن الحكومة الكندية لا تكف عن مطالبة القيادة السعودية بالنظر في إطلاق سراح رائف بدوي، منذ سجنه قبل سنوات عدة تنفيذاً لأحكام «قضائية» لم تناسب الكنديين! في المقابل، حافظ السعوديون على كامل أناقتهم السياسية في مواجهة تلك المطالب، إلى أن تصدّر «تويتر» المشهد معلناً قلب موازين العلاقات الثنائية بين البلدين «الصديقين» رأساً على عقب، بتدخل كندي سافر وغير مسبوق، حمّل السعودية مسؤولية إعادة الأعراف والمواثيق الديبلوماسية إلى نصابها باتخاذ جملة من القرارات الحاسمة حيال ذلك، الأمر الذي وجد تأييداً واسع النطاق على المستوى الدولي والإقليمي، باستثناء الموقف القطري «المناكف»، والذي لم يخيب الظن، حين أصر على التمسك بشخصية النقطة السوداء في الثوب الناصع البياض.

 

أخيراً، الخونة وحدهم من يجعلون وقوع ضحايا بين الجنود في الحد الجنوبي سبباً وجيهاً يبرر الانسحاب من اليمن على حساب التهديد الإيراني، وهم الذين يلطمون على «حصار» قطر، وودّوا لو يعم السلام الخليج بتسليم الأمير الوالد حمد بن خليفة مفاتيح السعودية التي تقزم أحلامه! لكن صوت الحقيقة يؤرق مناماتهم: من سلمان بن عبدالعزيز، إلى كل «نقفور» غشيم.

 

* كاتب سعودي