IMLebanon

جعجع في السعودية: تثبيتٌ لدور المسيحيين

كيف تمت زيارة رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع؟ وما الذي خلص إليه في لقاءاته مع كبار المسؤولين السعوديين ومع الرئيس سعد الحريري؟

استأثرت زيارة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع للسعودية، ولقاؤه الملك سلمان بن عبد العزيز، باهتمام لبناني لافت، وكذلك باهتمام سعودي سياسي وإعلامي واضح. فالزيارة أتت في خضم تطورات لبنانية محلية متسارعة، إن بالنسبة الى الازمة الحكومية أو بالنسبة الى ورقة إعلان النوايا بين جعجع ورئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون. كذلك جاءت في أعقاب الاتفاق الايراني النووي مع الدول الخمس زائداً واحداً، الامر الذي أعطي لبنانياً تفسيرات كثيرة.

فالسعودية بعد الهزة التي تعرض لها حلفاؤها في لبنان، لا سيما بعدما رفع عون صوته في وجه تيار المستقبل مطالباً بإنصاف المسيحيين، تحتاج الى إعادة تظهير صورتها وحضورها وإعادة إطلالة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري مع أحد الزعماء الموارنة الاساسيين وتأكيد علاقته بموارنة لبنان ومسيحييه. لذا بدت الزيارة كأنها بمثابة تهدئة للتوتر الذي ساد العلاقة بين مكوّنين رئيسيين: عون بصفته التمثيلية المسيحية ورئيسي الحكومة وتيار المستقبل بصفتيهما التمثيلية السنية، في حين رأى خصوم رئيس حزب القوات أن الهدف من الزيارة هو إعادة تموضع جعجع الى جانب قوى 14 آذار وفك الحوار وورقة إعلان النوايا مع عون.

أما لجهة الاتفاق الايراني ــ الغربي، فتبدو الزيارة، من هذه الزاوية، كأنها في سياق إعادة الرياض تجميع الاوراق اللبنانية الداخلية في مواجهة محاولة إيران تمتين وضعيتها من العراق وسوريا ولبنان.

في المقابل، يضع المطلعون على جوانب هذه الزيارة وبعض ما جرى فيها في إطار آخر.

أبدت الرياض اهتماماً بضرورة بقاء اتفاق الطائف ناظماً سياسياً بين اللبنانيين

في الشكل، تمت الزيارة بناءً على موعد سابق للاتفاق النووي وللتطورات الآنية المحلية. وكان يجب أن تحصل سابقاً لكنها أُرجئت الى ما بعد شهر رمضان. وجاءت وفاة وزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل لتوفّر عوامل تحديد الموعد. وتبعاً لذلك، بحسب المصادر نفسها، لا علاقة للزيارة بالاتفاق النووي الايراني.

في الشكل أيضاً، كان لافتاً استقبال الملك سلمان لجعجع، وكذلك اللقاء مع ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان وكامل فريق عمل العاهل السعودي. في هذه الصورة الجامعة، ليس الشكل وحده هو الذي يُعطى أهمية، بل أيضاً مضمون اللقاء، لأن الملك السعودي الذي يستقبل مرجعية مسيحية ورئيس حزب مسيحي، بحسب معلومات المطلعين على اللقاءات، يعطي العلاقة مع جعجع ولبنان بعداً جديداً، ويؤكد حرص السعودية، في وقت يتصاعد فيه خطر التنظيمات المتطرفة، على الوجه الاسلامي المعتدل الحريص على الوجود المسيحي وعلى ضرورة أن يؤدي لبنان دوراً فاعلاً في منطقة الشرق الاوسط، وفي إعادة تفعيل دور الجامعة العربية على أسس جديدة ، كما كان دوره ريادياً عند تأسيسها، علماً بأن جعجع سمع كلاماً سعودياً رسمياً عن أهمية الدور المحوري الذي يجب أن يلعبه لبنان، والمسيحيون فيه، في المعادلة الاقليمية وفي تحييده عن الصراعات الحالية، لا سيما أن المملكة تتعاطى معه ليس بصفته دولة من دول المحاور، بل دولة عربية قائمة بذاتها. وأبدت الرياض أيضاً اهتماماً بضرورة بقاء اتفاق الطائف ناظماً سياسياً بين الاطراف اللبنانيين.

لبنانياً، يؤكد اللقاء دور جعجع الداخلي ويعطيه بعداً رئاسياً، كمرشح أساسي، وأيضاً دوره كناخب رئيسي، ما يناقض بعض الطروحات المحلية، حتى من جانب الدائرين في فلك السعودية في لبنان.

ويؤكّد المطلعون أن لا علاقة للزيارة بما حصل بين عون والحكومة، إذ إن «المواجهة الحالية ليست، كما يصوّرها البعض، مواجهة مسيحية ــ سنية، بل مواجهة بين طرفين سياسيين، خلفياتها معروفة، لكنها وضعت في إطار كبير لا يحتمل التأويلات التي أعطيت له». تبعاً لذلك، لا علاقة للقاءات جعجع السعودية بالازمة الحكومية الاخيرة، لكنه حكماً بحث مع رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري في هذا الملف.

في الشكل أيضاً، يفترض أن يكون لقاء جعجع ــ الحريري عادياً بين حليفين ومكوّنين أساسيين من مكوّنات 14 آذار، لكن الزيارة، ببعدها الداخلي اللبناني، حملت أيضاً تأويلات، ولا سيما أن كلاماً كثيراً قيل في أوساط المستقبل في لبنان، ونقل عن لسان الرئيس فؤاد السنيورة، عن الامتعاض من ورقة إعلان النوايا بين جعجع وعون. كذلك فإن الاجتماع يأتي بعد حملة اتهامات متبادلة بين المستقبل وعون، بعدما انفرط عقد الحوار بينهما على خلفية التعيينات الامنية.

جعجع أكد مع الحريري ما سبق أن أكده في لقائه الاخير لرئيس الحكومة تمام سلام في السراي الحكومي، وما نقله عنه الى عون كل من النائب إبراهيم كنعان وموفده الى الرابية ملحم الرياشي، أي ضرورة استمرار عمل الحكومة، وخصوصاً في ظل الشغور الرئاسي، لأن استقرار لبنان أولوية، والحكومة ضرورة حيوية من أجل هذا الاستقرار، في انتظار نضوج ظروف إجراء الانتخابات الرئاسية. وفي هذه النقطة كان الرجلان متفقين.

في المقابل، أكد جعجع في لقائه مع الحريري، وهو عبّر عن ذلك علانية في حديثه الى «الشرق الاوسط» من جدة، تمسكه بتشريع الضرورة، وأن المسيحيين متفقون على أهمية قانون الانتخاب واستعادة الجنسية. بالنسبة اليه، «هذان القانونان استراتيجيان على طريق استعادة المسيحيين حقوقهم التي غيّبها النظام السوري والظروف التي استجدّت منذ عام 2005 من تنافس على السلطة، ما أطاح حقوق المسيحيين ومنع استرجاع مواقعهم، كالمديرية العامة للامن العام».

وفي معلومات «الأخبار» أن الحريري ميال الى تبين هذا الاتجاه، ولا سيما الدفع نحو قانون استعادة الجنسية، لأنه يشكل بالنسبة اليه قيمة مضافة في العلاقة مع المسيحيين، علماً بأن في تيار المستقبل من لا يزال يعارض المشروع في صيغته الحالية، كالنائب سمير الجسر.

النقطة الثالثة والأهم هي أن ورقة إعلان النوايا مع عون وثيقة ثابتة لا مجال لنقضها. لم يذهب جعجع الى الرياض للانقلاب عليها، ولن يتراجع عنها. ما كتب فيها قد كتب، وما حصل مع عون مسار مسيحي مستمر، يتعلق بترتيب أوضاع البيت المسيحي الداخلي، ولا عودة عنه.