اثنان لا ثالث لهما، يتنافسان على موقع الشخصية السياسية الأكثر تأثيراً في لبنان، وذلك بحسب بيانات “غالوب” وتقارير “فريدم هاوس”: الشيخ “الهجومي” نعيم قاسم والشبل “الفاجومي” جبران باسيل. نجح الأول في إحياء شخصية الحكواتي التراثية، وبرع الثاني في تلبّس الشخصية النضالية السيادية الكاملة الأوصاف. الجامع المشترك بين”الشيخ” و “الجبل الأورنجي” أن الإثنين يتمتعان بطلاقة منبرية تخطف ألباب الأتباع، مبصرين صمًّا وعميانًا.
راكم الإثنان تاريخاً من “الإنجازات النوعية “، كلّ منهما، بحسب اختصاصه. فالأمين العام لـ “الحزب” العابر للدول قائد شامل كيفما نظرت إليه: نفسٌ عقائدي، عقل منفتح مخطَّط استراتيجي ما “بيظبط” معو شي. يحكي من مكان ما تحت الأرض فترتج الكرة الأرضية برمتها. يعلك النظريات في بيروت فتفقع البالونات في النمسا. أما الرجل الآخر الذي لا ينام فقد تمكن منذ تبوّئه كرسي أن ينسج أجمل القصص وأن ينسينا أمجاد من “خلخل” مسامير و”كرتع” زعماء، وشفا مرضى، وأمرض أصحّاء.
يملك الإثنان صبراً استراتيجيًا فيعيدان، من دون كلل أو ملل ما يجب ترسيخه في عقول الجراميز. فالشيخ نعيم، كما شعراء الارتجال، يعيد كل مرة ويزيد على قرّادياته مستعينًا بخيال الزجّالين، ففي معركة “أولي البأس” ـ يقول الشيخ نعيم وعمر السامعين يطول ـ إن المقاومة أحبطت محاولة العدو الوصول إلى بيروت، كما حالت دون تقدّم 75 ألف جندي وضابط إسرائيلي على الخط الحدودي في الجنوب”. من يصدق هذه الرواية يُفترض فيه أن يصدق أن “الحزب” دفع، في حرب الإسناد، بخيرة شبابه لتحرير الجليل ووقف العدوان على غزة والوصول إلى القدس الشريف!
وجبران، كما المقاومين البواسل، همّه وشغله الشاغل، أمس واليوم وغداً، التصدي لخصوم التيار ومشوهي تاريخه ويتقدم الخصوم اثنان: سمير وجعجع. أو بالأصح جعجع وسمير أو سمير جعجع وظلّه. يحارب جبران الظلّ من فوق صهوة المنابر. يركب على السيف و”يلولح” بالحصان كما جاء على لسان “غوّار الطوشة” ذات يوم.
تحدث النابغة الجبراني، في آخر حفل، عن مسألة النزوح وعجز السلطة اللبنانية عن اتخاذ أي قرار فعلي. كلام صحيح لأن منذ العام 2011 حتى العام 2022، كان جبران والجبل الأشم في صفوف المعارضة يحاولون تصويب مسار السلطة الغبية.
يرى الأول بين المتنافسَين ما لا يراه معظم اللبنانيين وهو أن سلاح ميليشياه “هو العائق الأساسي أمام توسّع العدو، وهو ما أبقى لبنان واقفًا على قدميه” واقف ولاقط عالدبكة.
ويرى الثاني أيضاً ما لا يراه غير محبّيه. يرى الخوارق والخطط الجميلة التي وضعها بنفسه أو أشرف عليها، وعطلها النكد السياسي. يرى الأحلام بوصفها وقائع. يرى الحق والخير والجمال في كل ما يفعله وينكر على أفلاطون هذه الثلاثية الذهبية.
الأول يعيش وهم القوة وقالها بعضمة لسانه “نحن حاضرون للمواجهة، ولا استسلام أو تسليم لسلاح المقاومة، ولن تستلمه إسرائيل منا”.
والثاني حاضر لسلسلة محاضرات يحكي فيها عن كل شي.