IMLebanon

القائد عون رئيساً: عدم الاستسلام!

 

جرت الانتخابات الرئاسية بلا منافسة، وتسلّم الجنرال جوزاف عون سدّة الرئاسة. وبدأ اللبنانيون عموما، وأهل السياسة منهم خصوصا، بتحليل المجريات، وصارت الأمور إلى الأخذ والرد. وبدأت حملات التبخيت والتنكيت والتبخيس والتنفيث، على أن القائد الرئيس، كان مفروضا من الخارج، وأن المجلس النيابي، لم تكن له إلّا صفة البصم على الإسم. وأن الانتخابات كانت معلّبة ومحضّرة و«مدولرة» أيضا، إستهتارا منهم، بدور الأخوة المشكورين في الخليج. قالوا مثلا: إن الرئيس القائد جوزاف عون، أتى من الخارج، ولم يأتِ من الداخل. ومنهم من أوغل في التضليل، فقال بعدم دستورية الانتخابات، وبأنها باطلة الأباطيل. وصاروا إلى الاستشهاد بالمواد الدستورية، خصوصا منها، ما يؤكد حرمان الموظف في الفئة الأولى، من حقه في الترشح، قبل تركه وظيفته، أقلّه بعامين. وأن الرئيس جوزاف عون، قد مُمدّد له في الخدمة، منذ عام. ثم ها هو نراه يترشح للرئاسة. وهو بعد على رأس الوظيفة، لم يأبه لذلك، ولم يكترث للمواد الدستورية المانعة لترشحه، في مثل هذه الحال. بل منتهكا حرمة الدستور، التي يجب أن تكون الانتخابات الرئاسية تحت سقوفها.

لا بد إذن من التصدي لتلك الأقوال التي تطعن بالانتخابات الرئاسية وهي بعد حديثة العهد، لم تخرج من باب المجلس بعد، لأن من واجب كل منا أن يكون غيورا على الرئاسة وعلى الرئيس. ومن باب أولى، أن يكون غيورا على وطنه لبنان، الذي صار في الحضيض، حين كان تحت من هم كانوا يتخطفون المواد الدستورية، ويجيّرونها لمكاسبهم السياسية والمادية، ويسترزقون وعيالها و أهل حاشيتهم بها!

 

من منا لم يرَ، من جرّ وما جرّ، على هذا البلد الصغير، من جرائر عظمى:

١- فمنذ العام ٢٠٠٥، ولبنان يتعرض لمحاولات إختراقه عسكريا. وقد ساهم ذلك في حرمانه من حياة الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي والإجتماعي. فقد تولى الجنرال ميشال سليمان الرئاسة، بعد مؤتمر الدوحة بتأييد خارجي، لينقل لبنان إلى بر الأمان، ويريحه من كابوس ثقيل، كان ينيخ على صدره. فغادر القصر الجمهوري، ووقع لبنان في الشغور الرئاسي. وظلت الرئاسة ثقيلة بأرزائها، بل زادت الأرزاء أثقالا عظيمة عليها.

ثم عصفت العواصف به. ووقع لبنان في الشغور الرئاسي من جديد. فجاء الجنرال ميشال عون، لإنقاذه ووضعه على بر الأمان، حتى لا يظل مخطوفا، وحتى يتم تحريره وخلاصه، من الشروط المستحيلة. غير أن الرياح لم تجرِ بما تشتهي السفن، فكان أن غادر الرئاسة، وقد أصبح لبنان على شفير الهاوية: نهبت أموال المودعين. وشهد العهد ثورة ١٧- ت١-٢٠١٨، واختلّت موازين الحكم، ووقع إنفجار المرفأ المشبوه، وصودرت الحكومات المتعاقبة، وصار الوزراء ينفذون الأجندات، بناء للمصالح والمحسوبيات، وخيّموا العتمة على البلاد، بعد ١٤ عاما، من تولي التيار العوني التيار الكهرباء، حتى إنقطع التيار، وصارت المياه تصل إلى شارع الحمرا بالستيرات المسيّرة، قبل العهد بالمسيّرات. ثم غادر الرئيس ميشال عون قصر بعبدا، ناعبا اللبنانيين إلى جهنم، بعدما عمّت الظلمة والظلام عموم البلاد.

 

وخلال الشغور الرئاسي الأخير الذي أفضى إلى اليوم، لمدة طالت عن السنتين والثلث، وهو أطول شغور رئاسي تصاب به البلاد، اشتدّت العواصف، وصار البلد إلى الإفلاس المادي، وأخذت الأزمات السياسية والعسكرية تتوالى عليه. فكان الجنرال جوزيف عون، قائد الجيش، قائدا حكيما بالفعل، يعمل ليله ونهاره، على إنقاذ هذة المؤسسة اليتيمة من الخراب المحقق، الذي يحيق بها، لإستبدالها بفصائل الميليشيات، بإعتبارها البديل في المواجهات، في الداخل وعلى الحدود. فنجح في التصدي لجميع الموجات المتطرفة. وكان بطل معركة فجر الجرود، وبطل المواجهات بين الأطراف الداخلية، في الطيونة وفرن الشباك.

٢- وكانت هذه المؤسسة العسكرية التي يقودها، في حالة ماسّة، للدعم المعنوي، وللدعم المادي. فخرج القائد، إلى الدول الصديقة والشقيقة، يطلب المعونات، حتى تظل هذه المؤسسة، تحمي الحدود، ولا ينفرط عقدها. وكان يحمل لها المساعدات المالية، والأعتدة العسكرية اللازمة، والأدوية والمستوصفات النقالة، أو تلك التي تحتاجها الطبابة العسكرية.

 

٣- وبغياب الرئاسة والرئيس، وفي ظل حكومة تصريف الأعمال، وبالتعاون مع المجلس النيابي، وفي الطليعة عطوفة الرئيس الأستاذ نبيه بري، إستطاع القائد الشهم والأشمّ، جوزيف عون أن يكسب ودّ الجميع، في السلطة المتبقية، من دولة رئيس حكومة تصريف الأعمال، دولة الأستاذ نجيب ميقاتي، وأن ينال منه التغطية اللازمة، في ظل الوضع الصعب، في التعايش مع وزير الدفاع، وأن يحظى بالتأييد المطلوب من جميع المسؤولين في الداخل والخارج، لصون الحدود الشرقية منها والجنوبية، حتى لا تغيب الدولة، تحت وقع العواصف السياسية وللعسكرية العاتية.

٤- لكن حرب الإسناد التي وقعت في لبنان، أنبهته إلى ما لم يكن في الحسبان، خصوصا حين جرّت على البلاد كل مصائبها. إذ بادرت إسرائيل، بحربها عليه، وكانت حربا ضروسا، لم تبقِ ولم تذر. فصمد القائد في إدارة المعركة مع العدو الإسرائيلي، على الرغم من قساوتها. ولم يتخلَّ الجيش اللبناني عن دوره، في الدفاع عن لبنان، بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية. فنال بذلك شهادة عالية في الصدقية، من جميع من تعاون معهم، على درء العدوان بإرادة سياسية صلبة. وحفظ ما إستطاع الحفاظ عليه، في المناطق التي لم يطلها العدوان بناره ونيرانه وبأعماله التخريبة، التي ألحقت ضررا جسيما، في الشريط الحدودي، وفي الضاحية الجنوبية.

 

حقا كان الشغور الرئاسي، صعبا للغاية على لبنان واللبنانيين، ولم تستطع جميع القوى الداخلية والخارجية، أن تأتي برئيس للجمهورية، يأخذ بصدره السهام التي تنهال على لبنان واللبنانيين، من قبل العدو الإسرائيلي، ومن قبل جميع القوى، التي كانت تظن به السوء، وتريد له، أن يحيد عن دربها. وكان القائد حكيما للغاية، حين وقف الجيش دريئة، عن الجميع، في المواجهات العدوة وفي المواجهات المغرضة.

وحده القائد الجنرال جوزاف عون، تحمّل مسؤولية الوطن بكل جديّة، وأخذ على عاتقه، أن يحمل إليه الأمن والأمان، ويعيد له ثقة المجتمعين العربي والدولي به. فتولى هذه المهمة طيلة الشغور الرئاسي، ولم يحد عن سبيلها. وبات هو الرجل الفرد السريع الخطو، الذي يتطلع إليه اللبنانيون، من خلال المؤسسة العسكرية. فيهرع عند وقوع أحداث العدوان الإسرائيلي الثقيل، ليعيد إلى لبنان الأمن والطمأنينة، بُعيد كل اعتداء إسرائيلي عليه، ليمنع العبث والتخريب وأعمال السرقات كلها، خصوصا منها سرقة الدور والأبنية المغدورة كلها، فكانت هذه التجربة تضيف إليه أعلى الرتب المدنية، بعد أن كان على رأس قيادة الجيش، في أخطر المواجهات العسكرية.

حقيقة ضاق صدر عطوفة الرئيس بري ذرعا، وهو ينقل لسنتين وأكثر، الانتخابات الرئاسية من جلسة إلى جلسة. ولم يرَ في جميع الدورات، المرشح الذي يحظى بالأصوات التي تخوّله الفوز بالرئاسة. فحال الرئيس بري، كما كانت حال اللجنة الخماسية التي كلّفت دبّ الحماسة لتجاوز الشغور، وإنقاذ الرئاسة، والتي وجدت نفسها معذورة، بعد النظر في الأوضاع الصعبة والمعقّدة. وكان لا بد لها، كما كان لا بد للرئيس نبيه بري، وللأستاذ وليد جنبلاط، أن يرشحوا من  أجمع عليه اللبنانيون جميعا، في الدورين: السياسي والأمني. وهو القائد الحصيف والحكيم جوزاف عون، والذي «لا يأتيه الباطل لا من ظهرانيه، ولا من بين يديه». فقد كان صعوده إلى سدّة الرئاسة بإجماع شعبي، رصده أهل المجلس، واستجابوا له، ونادوا به رئيسا بالإجماع، لإنقاذ البلاد. وأما تلك الأصوات التي تعلو، بين الفينة والفينة، وعلى هذا المنبر أو ذاك، للتنديد والتحريض، فما هي إلّا من باب الخصومات الشخصية، ولا يمكن أن تسجل عيبا على الرئيس أو الرئاسة، ولا حتى عيبا رئاسيا.

لبنان الناهض من بين الأموات، يشهد على أخطر الحقبات التاريخية التي تعرّض لها، وعلى أصعب الظروف وأقساها. ولأنه كذلك، وجد القائد جوزاف عون، ضرورة عدم الاستسلام. وأصرّ على الإندفاع لتحقيق ما أمكنه من المعجزات، في وطن مغدور ومقتول، بل في وطن وبلاط الشهداء، فكان أن يلاقيه أبناؤه جميعا، من الأطياف المدنية ومن الأطياف السياسية، فيعقد لهم أملا في الإنقاذ. ولا غرو، فهو المجرّب في المؤسسة العسكرية.

فتحت عنوان: عدم الاستسلام، جاء لبنان بالقائد جوزيف عون رئيسا للجمهورية. وأما باقي الأصوات، فهي: إما أنها لم تعِ بعد المخاطر والجرائر للشغور الرئاسي، وإما أنها تحتسب، في باب الحسابات الشخصية. وهذا الإجماع الوطني، حول الرئيس والقائد جوزاف عون، في مثل هذه الأوقات والظروف الحرجة، هو الذي يدحضها. وأما اللبنانيون فكلهم أمل بفخامته، وبقيادته للسفينة بالصدقية ذاتها التي قاد بها المؤسسة العسكرية في «حقل الألغام»، أن يحقق ما وعد به في خطاب القسم. وهو الذي يلاقيه الإجماع الداخلي، كما الإجماع الخارجي، إلى منتصف الطريق، بكل «جرأة شهابية». وفي الأقوال السائرة عندنا: «الخيل معقود بنواصيها الخير». فلبنان إختار اليوم بالإجماع، من الجياد جوادا عربيا أصيلا، وشهدت عليه الأمم كلها، وكلنا أمل أن لا يخيب فألنا هذا، القديم الجديد.

* أستاذ في الجامعة اللبنانية